حينما تكون مهانًا في وطنك من قِبل وافد
أحمد بن سليم الحراصي
لا يُنقِص شيئا في هذه الحياة بأكملها سوى أن تعيش الإهانة متجرعا مُرها في وطنك، إنه آخر ما يمكن أن يصدمك في هذه الحياة، أن تكون بلا هوية وبلا شرف في وطنك بعد الإهانات التي من الممكن أنك ستلاقيها من وافد حل ضيفًا في وطنك، ولكنه يرى في نفسه صاحب الدار وذا الكعب العالي على ابن الوطن، فيتجرأ أن يُهينك في أصعب اللحظات التي لا تتوقع فيها الغدر والإهانة، حينما تبحث عن (لقمة العيش) في وطنك الغارق بالموارد الطبيعية التي لا تُعد ولا تُحصى ولكنه أيضًا في الوقت نفسه غارقٌ في الفساد، فسيطر عليه الوافد وأظهر نفسه المسؤول الحريص على الوطن فأهان مواطنيه.
ظهر مؤخرا مقطعٌ تم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي ورغم أن المقال جاء متأخرًا فإنني فضلت السكوت بحثًا عن الحقيقة أولًا ، هذا المقطع الذي يظهر فيه وافدٌ يضرب مواطنا وهو يقود شاحنة فانهال عليه لكمًا وضربًا بالأيدي وأحد هؤلاء الوافدين يقوم بتصوير ما يفعله صاحبه بهذا المواطن (المغلوب على أمره) ثم قام برفع المقطع في برنامج (التيك توك)، أثار المقطع غضب الكثير من العمانيين الذين طالبوا بالقبض على هذا الوافد ومحاسبته والتحقيق معه كما عَّلق بعضهم على الشاب العماني الذي يقود الشاحنة بما يثير الدهشة في عدم تصرفه وعدم مبالاته بينما هذان يستمتعان بضربه وتصويره، بينما علَّق بعضهم قائلًا: بأن لقمة العيش هي من جعلته يكون صامتًا وذليلا لكل إهانات هذا الوافد؛ لأنه صاحب العمل وهو الآمر والناهي فيه، ومع انتشار المقطع بين العامة من الشعب ، تفاعلت شرطة عمان السلطانية وتضامنت مع المواطنين وتم إلقاء القبض عليه واستجوابه وهذا ما أكدته الشرطة على حسابها الرسمي في تويتر. الشاب نفسه تكلم فيما بعد بأنهم كانوا يمزحون فيما بينهم ولكنني لا أرى أن المزح له مبررٌ وأنت تقود شاحنة في طريق فهذا سيُسبب بلا شك حوادث يذهب ضحيتها الأبرياء من مستخدمي الطريق هذا أولا، ثم ثانيًا: لا أعتقد أن المزح تخولك فيه نفسك بأن تظهر بهذا الشكل المخزي ويجعلوك تدور حول العالم بهذه الصورة فأين إذًا هو حفاظك على الهوية الوطنية وعن كل ما يمسها من إهانات وزعزعة لثوابتها وكرامتها؟
هذا المقطع نفسه ذكَّرني بأمرٍ مشابه حدث لي، حينما تكون بلا عمل وتنتظر الوظيفة فلا يعجبك الوضع أن تقعُد في البيت ولا يعجبك الوضع أن تعمل بعقدٍ في مؤسسة ما لا تليق بالشهادة التي تحملها، فلن يكون لديك خيارٌ إذًا سوى باللجوء إلى العمل بالأجر اليومي وهذا هو نفسه العمل الذي عمل به صاحب المقطع المتداول، كانت الأجرة زهيدة والعمل طويلٌ وشاقٌ،ولكن؛ ولأن الأمر يتعلق بالحاجة فستعمل لأجلها، فعملت مع وافد بنفس الطريقة التي رأيناها في المقطع ، كان رجلًا يرى فيه نفسه أنه الرئيس (البوس) فيأخذ ويُعطي وكأنه في بلاده ، كنت أقود هذه الشاحنة، شاحنة مكابح اليد (hand break) فيها لا تعمل فتحتاج أن تمسكها بمكابح القدم عند الوقوف وتنتظره ليُنزل البضاعة لأصحاب المحلات التجارية وأنت قدمك في هذه المكابح، تصور تلك المدة وأنت تنتظره ماذا سيكون شعورك؟ بالطبع ستزل قدمك بعد ثبوتها وستشعر بالضيق والأرق، وبعد هذا نذهب أنا وهو من مكان لآخر وفي الوقت الذي نحتاج فيه بالانعطاف على اليمين أو على اليسار، يُخبرك فجأة انعطف يمينًا أو يسارًا وأنت في سرعة لا تقل عن 90 كم/س، فكيف ستنعطف في تلك السرعة والانعطاف قريبٌ جدًا ؟ فأخبرته بأن يخبرني قبل الانعطاف من مسافة بعيدة إلا أنه يُكرر الفعلة، ثم نهرني حينما رأى بأنني لا أستطيع الانعطاف مباشرة بتلك السرعة وقال: (أنت ما فيه معلوم سياقة، ما فيه فهم!!؟) في تلك اللحظة بلغ فيني الغضب مبلغه وأوقفت الشاحنة جانبًا وأخبرته أن يحسن ألفاظه عندما يتكلم أمام مواطن له احترامه وهو مجرد ضيف نزل بتأشيرة في هذا البلد وأنني أقسم بأني سأصفعك في المرة القادمة إن لم تحترم نفسك، بدا للرجل علامة الخوف وفهم بأنني لست ممازحا في كلامي هذا الذي قلته له، فلم ينبس ببنت شفه سوى بقوله: يمين أو يسار عند الانعطاف ، الغريب في الأمر أنه لا يمتلك رخصة قيادة ويُظهر الناس على أنهم لا يفهمون في القيادة! لا أعرف من قال له بأن قيادة السيارة في الواقع كقيادتها في لعبة الكمبيوتر. ومع عدم تحمل الإهانة فإنني تعمدت بالاحتكاك بشاحنته من جهة الباب في جدار فلم يرضه هذا فشكى لي عند مديره وطلب منه أن يُخفض المبلغ المتفق عليه، أخبرت مديره بأن الشاحنة ليس بها مكابح قوية وليست صالحة للاستخدام في الطرق ولهذا احتكت بالجدار ، أخبرته بأن يعطيني أجري وإلا فإن الأمر سيطول كثيرًا ، فرضخ مديره للأمر الواقع وأعطاني الأجر بأكمله ، إلا أن صاحبه حشر أنفه أمامي ولم يعجبه وقال: بأنني لا أستحق هذا وأنني حرامي فأصلحت هذه الكلمة (بكف معتدل) ربما لتجاوز هذه الأخطاء في المرات القادمة، فمن أنت كي تتكلم بهذا الاسلوب أمام مواطن؟! هدد الرجل بالشرطة فولَّيت له ظهري مغادرًا بالسيارة.
تأخذنا الحاجة أحيانًا للعمل وكسب الرزق لكن هذا لا يعني أن نتلقى الإهانات خاصة ونحن في وطننا، لا يعني شيئًا سوى أننا نوافق على هذه الإهانة ونتجرعها؛ لأننا محتاجون، وللأسف بأن هناك الكثير من يسكت لهذه الإهانات ويتحملها لأجل الحاجة، فلتذهب الحاجة إلى الجحيم حينما يتعلق الأمر بالكرامة، فما تساوي هذه الحاجة عندما تكون عمانيا مهانًا وأنت في وطنك؟ فأنت لم تكن عمانيا بالاسم فقط ، لك هيبتك وحقوقك وكرامتك المصانة في وطنك، فإن كنت ستذهب إلى السجن لأنك صفعته ولكمته نظير الإهانة التي تلقيتها فلتذهب فالسجون للرجال أحيانًا، ولا أظن بأن الأمور ستظل هكذا دون أن يكون هناك بحثٌ وتحقيق في أسباب هذه الواقعة فيُعرف فيها المخطئ من الخاطئ ، فكن عمانيا أصيلا لا يقبل الذل والمهانة وهو في وطنه ولا يسمح لأي كان في أن يمس من هويته وكرامته.