وداعًا.. شيرين أبو عاقلة
طه جمعه الشرنوبي – مصر
كنا صغارًا، نُتابع فلسطين القضية، فلسطين الضمير، وارتبط في أذهاننا إعلاميون ومراسلون بأصواتهم ودروعهم الواقية التي بالكاد لم تمنعهم من الإصابات، أو تُخيفهم كلمة مراسل المكتوبة على السُّترة الواقية للرصاص.
ونحن صغار كانت تُحركنا دوافع فطرية للتظاهر والتنديد بالعدوان الإسرائيلي، دوافع فطرية نابعة من ضمير إنساني إذا وضع في مقاييس إنسانية نحسبه يُحرك العالم.
وكبرنا وكبُرت تلك القضية داخلنا، ولازِلنا نُخاطب ضمير العالم الناعس دائماً، بل الميت، ولكن هيهات لمن تنادي، تجُرنا حكومات لم تعبّر عن آمال شعوبها في عالمٍ ينعم بالإنسانية والضمير الإنساني، حكومات تشجُب وتُندد، وخطابات مرسلة هنا وهناك، واجتماعات لجامعة الدول العربية وما إلى ذلك، حتي فَقَدت الشُّعوب آمالها في إيجاد سبيل للحرية في فلسطين.
وفي اليوم التالي لغارات تُسفر عن قتلى وجرحى نَجِد اجتماعات مُطوّلة، تتضمن عبارات للسلام العالمي، يُعبر عنه بمصافحة ليد خارجية الاحتلال.
بالأمس فَقَد الضّمير الإنساني المراسلة شيرين أبو عاقلة، التي ارتبط اسمها بالقضية الفلسطينية، وبتغطية هنا وهناك، وهي تُصارع الموت في كل جِهة تتعقبها للبحث عن الحقيقة، وإظهار وحشية الاحتلال أمام شعب كل قضيته هي فلسطين، وأقصى أمانيه هي الحياة.
في سُبات عميقٍ من العالم تجاه فلسطين كانت شيرين تُمسك بالميكروفون، وتقول للعالم: هُنا فلسطين، هُنا شعب يُباد، هُنا أرض تُغتصب، لا زال الجميع يذكر حديثها قائلة: ”ليس سهلًا ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كُنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم”.
استشهاد شيرين أبو عاقلة شهيدة الصحافة والإعلام العربي الذي ظَل لعقود طويلة يُنشد الخلاص لفلسطين، ويُناشد العالم بالوقوف ولو لمرةٍ واحدة في نُصرة الشعب الفلسطيني، موتها بالأمس يُمثل صرخةً أخيرة منها للعالم، وتعبير عن وحشية الاحتلال الذي اغتالها بدمٍ بارد، وكأنها تقول لهم :”من قلب الحدث أنقل لكم على الهواء مباشرة جرائم الاحتلال -شيرين أبو عاقلة- فلسطين” كما اعتدنا سماعها.
الدبلوماسية والمصالح المشتركة تقف حائلاً في أخذ مواقف دولية تجاه الاحتلال، ولكن العالم لديه ضمير كاذب، إذا تعلق الأمر بفلسطين المحتلة، يقول بعضهم: إننا نقف على مسافة واحدة بين فلسطين وإسرائيل، ويجب التعاون من أجل السلام العالمي، وإذا تعلق الأمر بأي دولة أخرى تعلق الأمر أيضاً بالمصالح المشتركة، ولكن يضعون كلمة الضمير في مقدمة خطاباتهم، وضمير العالم يهتز للهجمات الروسية في أوكرانيا، ألم يكن للعالم ضمير حينما يرى مجازر، وشعب ينتهك، وأطفال يُقتلون؟!
شكراً شيرين أبو عاقلة، أنتِ قُمتِ بفضح العالم، وداعاً شيرين أبو عاقلة.