الاختبارات الإلكترونية مستقبلٌ مشرقٌ، أم انتكاسةٌ تعليميَّة؟!
تحقيق: أسماء المقحوصيَّة وشيخة الزهيميَّة
اجتاحت رياح أزمة كورونا العالم، وفرضت عليهِ قيودًا لاذعة، حيث ألقت بظلالها على أهم القطاعات كالتَّعليم، ودفعت مؤسساته من جامعاتٍ ومدارس إلى الإغلاق للتقليل من حدة الانتشار، ولكن لم تكن هذه الأزمة العائق الأكبر أمام الحكومات والمؤسسات التعليمية على وجه الخصوص، فقد ساهمت بدورها في إيجاد الحلول والبدائل التي تمكنها من التجاوز، فأوجدت المنصّات التعليمية الإلكتروني أو ما عُرِفَ بال(E-learning)، بديلًا طال الحديث عنه والجدل فيه، وعلى غرارِه قُدمت الدروس التعليميّة، والاختبارات المدرسية والجامعية، التي أخذت المؤسسات في اعتمادها حتى بعد التحرر من قيود التعليم الإلكتروني، فبقت بين التأييد والمعارضة. إنها تجربة جديدة نحو مستقبل مُشرق من جهة، وانتكاسةٍ تعليمية من جهة أخرى كما يصفها الكثيرون.
الاختبار مقياس!
يقول الدكتور عمر هاشم أستاذ مشارك بقسم الأصول والإدارة التربويّة بكليّة التربية بجامعة السلطان قابوس حول مدى دقة هذه الاختبارات في قياس مستوى الطالب: إن الاختبارات وإن تعددت أشكالها وطرائق تقديمها ووسائطها، فهي لا تقيس مستوى أداء الطالب وقدراته بدقة، بل هي وسيلة لقياس الجانب التفكيري أو العقلي، فنرى بأنها تقيس جانبًا مختصرًا ومحدودًا لدى الطالب.
ويذكر أنّ المتخصصين في هذا المجال حاولوا أن يعطوها أقل درجة في جانب التقييم، حتى أن بعض الجامعات طبقت ذلك ووضعت نسبة 30%من المجموع الكلي للاختبارات، على أن توزع باقي الدرجات على الأعمال والأنشطة الأخرى التي من شأنها أن تقيم مستوى الطالب وتميّزه في الإبداع عن غيره من زملائه الطلبة.
كما لا يعتقد محسن السالمي، أستاذ مشارك بقسم مناهج التدريس بكليّة التربية بجامعة السّلطان قابوس، أن الاختبارات الإلكترونيّة مقياس دقيق لتحديد مستوى الطالب، فتحقُق هذا الأمر يتطلب من مُعد الاختبار معرفة بمجالات الأهداف ومستوياتها المختلفة، وقدرته على صياغة أسئلة دقيقة تقيس مستويات التعلم في المجالات المختلفة.
جدوى:
يقول الدكتور عمر هاشم: أن الاختبارات الإلكترونية مجدية في قياس مستوى الطالب، ولكن إذا أمعنّا النظر وتعمّقنا للوصول إلى هدفٍ أكبر وأشمل لقياس مستوى الطالب، وإظهار جانب من شخصيته، سأقول: “إن الاختبار الإلكتروني غير مُجدٍ، لأنه لن يُعطي صورة كاملة لشخصيّة الطالب”.
كما يؤكد الدكتور السالمي أن الاختبارات الإلكترونيّة تتطلب جهدًا من المعلم في عملية الإعداد، لكنها توفر له الوقت والجهد في عملية تصحيحها، وجمع نتائجها، ومع الوقت يتولد لديه بنك من الأسئلة يمكن الرجوع إليه في كل وقت، فلا أعتقد بـأنها غير مجدية.
تفاوت:
أما في سياق التفاوت في النتائج التي تُظهرها الاختبارات الإلكترونيّة، يلاحظ الدكتور عمر هاشم أنّ هذا النوع من الاختبارات أوجد ما يُسمى (بالتضخّم في الدرجات)، ولكن هنالك ثمّة صيغ لهذه الاختبارات، فالصّيغة الأولى التي عُرف مضمونها بإرسال تكاليف للطالب، ليحلها في مدة زمنيّة محددة، ثم يسلّم ويُقيّم تِبعًا للطريقة المتفق عليها من قِبَلِ الدكتور وطالبه، أمّا بالنسبة للصيغة الأخرى، فهي عبارة عن اختبارات تقام في مدة زمنية محددة يتفق عليها كل من الطرفين، ولكن تحتوى على نوع من التحديات كالوقت، وعدم التمكن من العودة للأسئلة فهذا النوع لا يرى بأنه يؤدي إلى التضخم، بل ظهور الدرجات بنسب متفاوتة كما لاحظ في مساقاته.
ويرى السالمي أن الاختبارات الإلكترونية أحدثت هذا التضخّم في بعض المساقات، ومن جهة أخرى أيضًا ظهر العكس، حيث انخفضت درجات الطلبة فيها.
مزايا وعيوب:
يشير الدكتور عمر هاشم أن لكلا النَّوعين من الاختبارات مزايا وعيوب، ويرجعُهُ لطبيعة المادة المُختبرة، فإذا كانت المادة لا تعتمد على الآراء وتنوعها من قبل الطلبة، فيرى أن الاختبارات الإلكترونية الأفضل والأنسب والأسرع والأسهل بالنسبة للهيئة التدريسية والطالب.
لكن في ظل عودة الحياة إلى طبيعتها، والطلاب إلى مقاعد الدراسة، ويرى الدكتور محسن السالمي من الأفضل ألَّا يُعتمد عليها اعتمادًا كليّا، رغم أنها تجربة جيدة، ومستجدة.
تجارب
كما تحدَّثت الزهراء السّنانيّة طالبة كفيفة من جامعة السًّلطان قابوس عن تجربتها مع الاختبارات الإلكترونيَّة، وذكرت أنَّ من أبرز الصُّعوبات التي واجهتها هي صعوبة استخدام المنصَّة الإلكترونية الخاصّة بالجامعة أو ما تُعرف بــــ(المودل)، بالإضافة إلى ضيق الوقت المخصص للاختبار، وعدم إمكانيَّة الرجوع للسؤال السَّابق. وقد ذكرت أنها استطاعت بصعوبة التأقلم مع تلك التحديات من خلال التعوّد على استخدام (المودل) أو مناقشة أساتذة المواد في البحث عن بديل لإجراء الاختبار، أمَّا بالنسبة لحل مشكلة الوقت فذكرت أنَّ الحل الوحيد والأمثل بالنسبة لها هو التأقلم مع الوضع كحال بقيَّة الطلبة.
وأوضحت إبتهال العميريَّة طالبة بجامعة السُّلطان قابوس بكلية التَّربية أنَّها واجهت بعض التَّحديات مع الاختبارات الإلكترونيَّة من مثل المشاكل الفنيَّة كضعف الشبكة وصعوبة الانتقال بين الأسئلة، بالإضافة إلى المشاكل الخاصَّة بطريقة تسليم الاختبار في المودل والاضطرار في بعض الأحيان إلى تسليمه بالبريد الإلكتروني، كذلك فإن إعداد الأسئلة بطريقة لا تسمح بالرجوع إلى السؤال السَّابق شكَّل تحديًّا كبيرًا على الطُّلاب.
وذكرت العميريَّة بأنها استطاعت التَّغلب على تلك الصُّعوبات من خلال إعداد طريقة جيدة للمذاكرة، والاعتماد على الحفظ وفهم المادَّة العلميَّة، الأمر الذي ساعدها في الوصول إلى المعلومة بسرعة وعدم تضييع الوقت في البحث عن الإجابة.
وبالنسبة لتخصصها (تربية رياضيات) فقد فضَّلت أن تكون الاختبارات إلكترونية في حالة الأسئلة الموضوعية، وأن تكون حضوريّة في حالة الأسئلة المقاليَّة؛ وذلك لكثرة الرموز الرياضيَّة التي تُشْكِل الفهم على الطَّالب في حالة الاختبار الإلكتروني.
استطلاع:
قامت الصحفيَّتان باستطلاع رأي (113) طالبًا من جامعة السُّلطان قابوس حول موضوع الاختبارات الإلكترونية، وظهرت النتائج كالآتي:
1) توزيع تخصُّصات الطَّلبة بين تخصُّصات العلوم الطَّبيعيَّة والعلوم الإنسانيَّة.
2) رأي الطلبة في استمرار الاختبارات الإلكترونيَّة على الرغم من العودة لمقاعد الدّراسة.
3) رأي الطلبة في مدى كفاءة الاختبارات الإلكترونيَّة في قياس مستوياتهم الأكاديميَّة.
4) رأي الطلبة في تناسب وقت الاختبار مع عدد الأسئلة في الاختبارات الإلكترونيَّة.
أوضحت الأشكال (1-4) من نتائج الاستطلاع، أنَّ من أبرز التَّحديات والصعوبات التي واجهها هي ضيق الوقت في الاختبارات الإلكترونيَّة مقارنة بعدد الأسئلة، بالإضافة إلى المشكلات التقنية من ضعف الشبكة الناتج عن تأثرها بالطقس والموقع الجغرافي، وانقطاع الكهرباء في بعض الأحيان وفي أماكن معيَّنة، وكذلك الخلل الذي يصيب المنصات الإلكترونيَّة (المودل، كلاس روم، جوجل ميت).