المدرسة…حياة الصراع
د. محمد بن أحمد بن خالد البرواني
محمد للاستشارات الإدارية والتربوية
alnigim@gmail.com
إن الواقع المعاش يشكو فيه الصغير والكبير، وهو جانب قد تجده في كل العصور، فلا تجد راضيا عن آخر إلا ما ندر، وهو أمرٌ طبيعي مع بني البشر إذا ما تم التبصّر فيه وتحليله والتعمّق في معرفة أسبابه، فهو حالة سببها التعارُض في المصالحِ والقيم والأفكار، أو الاختلاف في الجوانب المادية والحياتية بين الأفراد، فحدوث حالة الصراع نتيجة الاختلافات والفوارق الحادثة في القيم يؤدي إلى خلاف حالة من الصراع وحدوثها وفق التنشئة التي نشأ عليها الفرد، فيحدث نتيجة فردين: أحدهما نشأ على الصّدق وثانيهما على الكذب، وكذلك هو الحال فيمن نشأ حياة مرفهّة، وآخر فقيرة، وثالث من يجعل الله غايته ونهج طريقه، وآخر مخالف لذلك، فحدوث الصراع واقع لا محاله، وهو أمرٌ طبيعي ومقبول وسنة من سنن الحياة ونواميسها، وهو حادث حتى في ميول الفرد، وما يرغب فيه من شراء وما يميل إليه من حبّ، حتى في تشجيع الفرق الرياضية، وفي النظرة إلى الآخرين في ظل عدم وجود حالة التبصّر التي تبنى على المعايير والمؤشرات، والتي يجب أن يعود إليها كلّ ذي بصيرة ورجل رشيد.
وتبنى حالة التبصّر وفق منهج تفكيري قائم على المقارنة لا المقارنة المجتزأة بل الشمولية التي ترى المقارن من كلّ جانب، كتفكّر سيدنا إبراهيم في ربّه.
والناظر إلى الصراع بشكل إيجابي يستطيع من خلاله الإبحار بالمنظمة إلى أرقى السّبل وأعلاها سمُّواً؛ إذ سيصلُ فيه الصراع لتأصيل قيم إيجابية وجوانب سليمة تحقّق للمنظمة وأفرادها النجاح والإبداع.
يكثر غير المتبصرين بمآلات الصراع الذي يؤدي إلى الخصام، ثم الفراق وإن بدأ بحوار، وما ذلك في الحقيقة إلا خلافٌ فكريّ يعود إلى تنشئةِ كلّ فردٕ من المتحاورين، وإلى فروق في مستواهم المادي والتعليمي ونظرة كلّ واحدٕ منهم ، ومكمن الحل يتمّثلُ فيما يُحققه الشّرع، وما تُقرّه القيم والتقاليد والأعراف، وهو مرجعُ الرّشيد المُتحلّي بالإيمان والمتمسك بمبادئه التي لا يحيد عنها ولا يميل.
إن الاستفادة من الصراع وتوظيفه للوصول إلى نقاط إيجابية تؤدي إلى الاتفاق أمر مُناط لكل عاقل، ولا يجب أنْ يُنظر إليهم أنهم مخالفون وكارهون وحاقدون وضارون، والأمثلة كثيرة في درء الصراع وإطفائه بدْءاً من أذى اليهودي في طريق رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- إلى العفو في فتح مكة، وفي قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- وإعراضه عن المرأة؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿وَراوَدَتهُ الَّتي هُوَ في بَيتِها عَن نَفسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبوابَ وَقالَت هَيتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبّي أَحسَنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظّالِمونَ﴾ [يوسف:٢٣].
إنّ هذا المآل السّلبيّ ناتج لعدم احترام امرأة العزيز للصراع وتعميقها له نتيجة نظرتها القاصرة لذلك، وعدم تمسكها بالمبادئ والقيم، وقلة قدرتها على كبح جماح نفسها، وإظهار قوتها على غيرها.
وفي قصة سيدنا موسى عندما أعاد الرّجل سيدنا موسى إلى صوابه وقدرته على كبح جماح نفسه دليل قوة والتزام، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَلَمّا أَن أَرادَ أَن يَبطِشَ بِالَّذي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا موسى أَتُريدُ أَن تَقتُلَني كَما قَتَلتَ نَفسًا بِالأَمسِ إِن تُريدُ إِلّا أَن تَكونَ جَبّارًا فِي الأَرضِ وَما تُريدُ أَن تَكونَ مِنَ المُصلِحينَ﴾ [القصص: ١٩]
إنّ هذه المآلات الإيجابية للصراع لا تتحقق إلا بدرجة إيمانية عالية يُظهر فيها المحاور قوّته للسيطرة على نفسه دونما أن يظهرها على غيره أو بقائه هكذا دون قدرةٍ على كبح جماح قوته على نفسه أو غيره.