2024
Adsense
أخبار محلية

قُرّاء يتساءلون: لماذا يفضّل الكُتّاب العمانيون الرّواية على القصة القصيرة؟

أحمد الراشدي بمعيّة طفلة زائرة وسط معرض الكتاب

تحقيق: شيخة الزهيميّة.

تبوأت القصة القصيرة مكانة مرموقة في النطاق الأدبيّ في سلطنة عمان، فمرت بمراحلٍ مختلفة أسهمت في تنوّع أساليبها الفنّية، وثراء أشكالها القصصيّة ما بين بداياتٍ، وتكوينٍ، وتجريبٍ، وتحديث، فلمعت في كلِّ مرحلةٍ منها أسماء لكتّاب، كان لهم نشاطٌ مميّزٌ في الحِراك الثقافي العمانيّ، لكن يبدو أنّها ليست الوحيدة التي تسعى لتحقيق رغبة الكتّاب، فهنالك أجناس أخرى، كالرّواية التي أصبحت اليوم خيار الكثيرين منهم. فيتساءل القرّاء ويتطلعون إلى معرفة الأسباب والدواعي وراء ذلك.

جنسٌ فريد:
عَرف الأدب القصّة كفن عالمي قديم، وجِدَ عند معظم الشعوب والحضارات؛ حيث جاء الكِتاب المُنزل (القرآن الكريم) بأساليبه القصصية، وخطابه الأكثر اتصالا بطبائع البشر، فنالت مكانة مرموقة وعُدَّت جنسًا أدبيًّا منفردا بخصائصه، وسماته، وأساليبه الأكثر إمتاعا، كما حظيت بقبول القُرّاء، واتصالهم الوثيق بها.

د. خالد الكندي
د. خالد الكندي

يُعرّف الدكتور خالد الكنديّ، أستاذ مشارك بقسم اللغة العربية في جامعة السلطان قابوس، روائي وكاتب عمانيّ، القصّة على أنها جنس سرديّ، مبنيٌّ على حلقات السرد المتمثلة في: التوازن، والاضطراب، والاختلال، ومعاكسة الاضطراب والإصلاح، ويقول: “ليس بالضرورة أن توجد الحلقات كلها، ولكن الأهم أن يوجد الاضطراب، والاختلال، ومعاكسة الاضطراب”، أي وجود شخصيات تسعى لإفساد الحالة المستقرّة، فإذا نجحت في غمار خوضها هذا، حصل الاختلال، كما أن الشخصيات المتضررة تحاول إصلاح الخلل، فقد تنجح تارة وتفشل في أُخرى.

ويُشيرُ الكنديّ إلى أن القصة القصيرة تتميّز بإمكانيّة قراءتها في جلسة واحدة، وقد تتكون من صفحة إلى عشر صفحات، بمعنى أنّها ليست طويلة، وباستطاعة القارئ إنهاءها في بضع دقائق.

مكانة القصّة ووظيفتها:
كما يؤكّد الحكّاء العماني أحمد الراشدي مكانة القصة القصيرة، ووظيفتها الاجتماعية والفنيّة العالية، نجد سمو تلك المكانة من خلال الاحتفاء الكبير بها، وخاصة في القصص الكلاسيكية التي مضى عليها وقت طويل، لكن القرّاء لا زالوا يحتفون بها ويقدرونها، ويعدونها مصدر ثراء روحي وفني، أمثال قصص: دوستويفسكي، وموباسان الفرنسي، ومعطف جوجول وقصص يوسف إدريس العربية، ويوسف السباعي، أيضا قصص نجيب محفوظ…الذين أثّروا في تلقي الكتب القصصية، وأعادوا تشكيل وعي القارئ والمجتمع بهذه القصص، فلا يمكن تجاوز مكانة القصة بأيّ حال من الأحوال، وتأثيرها الكتابي.

الكاتب والشاعر لبيد العامري
الكاتب والشاعر لبيد العامري

ويقول الكاتب لبيد العامري، طالب بجامعة السّلطان قابوس يكتب في مجاليّ الشعر والقصص القصيرة: للقصة مكانة أدبية كبيرة، كانت ولا زالت هي جوهر السرد الجميل، فنحن –البشر- فُطرنا على حب الحكايات والقصص التي أرضعتنا الأمهات، والجدات من حليبها…
ويشيرُ العامريّ إلى أن القصّة تقوم بدورها في أن تصقل روح الكائن البشري وقلبه من قسوة الحياة المادية وجلافة الواقع، مضيفا إلى ذلك قوله: إنّ القصة انتصار للزمن والحياة بما فيها من قيم إنسانية سامية ورفيعة.

الجنوح إلى الرواية:
يرى الدكتور خالد أن ليس هنالك تفضيل من قبل الكُتّاب العمانيين للرواية على القصّة، بل هنالك سبب فنّي يعود للأحداث، فعندما تكون الأحداث ذات زخمٍ قصير، ولا تتحمل حبكتها المطّ، ولا يمكن إشباعها بالنَفس الطويل في السّرد، فإنه يفضّل أن تكون في قالب القصّة القصيرة، أمّا عندما تُنسج حول هذا السرد أحداث كثيرة…فإن الكاتب يستطيع أن يجعل عمله الأدبي رواية، وهذا هو السبب، بل المسوغ للجنوح إلى الرواية.

كما لا يعتقد الراشدي وجود عزوفٍ عن القصّة؛ لأنه لا تزال تُصدر وتُعاد مجموعات قصصية مختلفة، هذا ما شهده معرض الكتاب هذا العام، كما يقول ممثلا ذلك في: إعادة القاصّ العماني يحيى بن سلّام المنذري مجموعته القصصية ونشرها، ومحمود الرحبي، ومازن حبيب وغيرهم. ويُعيد سبب الانتقال والجنوح إلى الرواية إلى الكُتّاب أنفسهم…

أ. عائشة سُليمان
أ. عائشة سُليمان

 

وتقول عائِشة بنت سُليمان كاتبة وناقدة: لعل أن الميل للروايةِ جاء نتيجة للواقع القرائيّ الذي عزز من سطوة السرد الروائي على السرد القصصي؛ إذ انجذب الكاتب ناحية الإطالة في السرد، أيضا مدى شغف الجموعِ بالقالب الروائيّ الذي يأتي في صورته الأكثر قربًا من الذات المتلقيّة، على عكس اقتصار القصة على نخبة من القرّاء؛ للتفرّد الذي حازت عليه القصّة. فهي تمتاز بكثافتها الرمزيّة، ولغتها التي تختزل الأشكال السرديّة، وقد يستصعبها القارئ العام، ويفضّل الرواية عليها، ولعل الكاتب تدارك انطباعات القارئ ومال ناحية الرواية.

وأشار العامري إلى أن هذه الفترة هي فترة الرواية؛ حيث تأخذ الرواية مساحة أكبر لدى القرّاء عن باقي الأجناس الأدبية، لكن هذا لا يدعنا نغفل عن تلك الأجناس التي لا زال قراؤها يفضلونها في أحيان كثيرة مثل القصة التي من صلبها خرجت الرواية.
وأضاف إلى أن لكل زمن جنسه الأدبي الأول، فسبق وكان الشعر ديوان العرب، واليوم نرى أن الرواية احتلت هذه المكانة، لكن في المقابل، نقول: إن هذا لا يقلل من أهمية الشعر والقصة وغيرهما من الأجناس، فبريقهما لازال ساطعا ولم ينطفئ، كما انطفأت اليوم بعض الفنون الأدبية القديمة…كما يتّفق معه الروائي أحمد الهنائي صاحب الإصدار المؤثّر “مقابرهم بقلبي” بقوله: إن الأسلوب القصصي محدود جدا؛ بحيث لا يُتيح للكاتب التوسع في سرد التفاصيل…

فروقٌ:
يقول الكنديّ: إن لمعرفة الفروق علينا أن نأخذ الجنس الأعلى الذي تنتمي إليه الرواية والقصّة، والقصّة القصيرة، والقصّة القصيرة جدا، والأسطورة، فهنالك خمسة فنون حبيكة، عندما يتخلل سرد إحداها نوع من الخرافة فتُعدُّ من قُبيل الأسطورة، أمّا الحكاية فهي التي تكون خرافتها مُصدّقة من قبل الراوي، ويغلب صوت الراوي في السرد، إذا تكون الحكاية في مجملها عبارة عن تسلسل الحلقات من توازن إلى اضطراب، إلى اختلال واختلال معاكس والإصلاح، وفي الغالب تنتهي بفوز البطل وتحيّز الراوي إلى البطل. أما عندما يكون السّرد حقيقيا وواقعيًّا وقابلا للتصديق العلمي، فإن الذي سيكون أمامنا هو الرواية والقصّة، أمّا الرواية فهي ذات السرد الطويل، والقصّة هي الجنس الأدبي القصير والتي باستطاعة القارئ أن يُنهيها في جلسة واحدة.

وركّز الراشدي على ضرورة معرفة الاختلاف بين الجنسين بقوله: إن للقصة خصائص لا تُشبهُ الرواية، كالمكان والزمان والشخصيات والعقدة والحبكة والوصف والسّرد، فكاتب القصّة القصيرة يعي كيف يوظف مثل هذه العناصر والخصائص الفنيّة في القصّة، التي ما هي إلا نتاجات الكتاب الكبار الذين كانت لهم تجربة سابقة في هذا المجال.

كي لا نكون إمّعة:
يقدّم الكنديّ رسالته للكاتب أو الروائي قائلا: لا ينبغي للكاتب المسلم أن ينجرّ وراء الثقافة الغربية عندما يسرد قصته أو روايته أو أقصوصته، وإنما ينبغي أن يتمسّك ويعتزّ بثقافته العربية، ويكون اعتزازه هذا نابعا من إسلامه وثقافته وعاداته المجتمعيّة، كما أن الكاتب الغربي غير المسلم يعتزّ بثقافته الخاصة، ولا يقلّد المسلم في سرده ولا في موضوعاته ولا في بث عاداته… لكي لا نكون إمعة نجري وراء التقليد، كذلك في الأسلوب، لا ينبغي أن تساهم العربية بأساليب غربية، وتُضحي بأسلوبها الرصين مقابل تقليد الأسلوب الأجنبي الجاف الخالي من الجمالية وطرائق اللغة السليمة.

الكاتب أحمد الهنائي
الكاتب أحمد الهنائي

كما يختم الهنائي بنصيحته للروائيين أمثاله بأن يختاروا التنويع في الأساليب، وترتيبها بما يتناسب والأحداث، ولا يتخذوا من فلان وآخر قدوة، فيسعوا إلى تقليد أساليبهم…كما ركّز على فكرة الاعتناء برسالة كل رواية، وأن يتأكد الروائي من تمكنه ونجاحه في إيصال الرسالة، وصولًا لمُبتغاه.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights