ليس كل ما يلمع ذهبا
بقلم / بدرية بنت حمد السيابية
حين يكون لديك شيء مميزٌ تملكه ويميزك عن غيرك، هنا تشعر بأنك مختلف تماما، وهذا الشعور إما أن يقودك للاستمرار فيما أنت عليه أو تكتفي لما وصلت إليه، وتبدأ لديك مرحلة انتقالية بما تصفه الناس إليك أو ما يتم الإشارة إليه، وكمثال لذلك: هناك كثير من الناس من ينادونهم بغير أسمائهم؛ مثل: وصل أبو الحكمة والموعظة، وهذا لقب جميل بأنك تتحدث بحكمة وتخاطب الناس بكل ثقة عن موضوعٍ ما، وتخرج كل ما في جعبتك لتستدل بالأدلة والبراهين، وتتحدث للآخرين وأنت تستحق هذا اللقب، والناس القريبون منك تعلم من أنت.
ولكن هناك فئة من الناس تحب أن يتم مجاملتها ومخاطبتها بدون قيود تذكر، بمعنى “الفشرة الزائدة” أنت بهذا الموقف تضع نفسك في مصيدة المجاملة المزيفة، فيقال عنك وأنت عكس ذلك من خلال حضورك وحديثك ولقائك بالآخرين، وكثيرة هي القصص لربما بعضنا عاصرها وشاهدها في الواقع الذي نعيشه، لماذا كل ذلك؟! أليس التواضع جميلا وماتعا، ويكون جزءا من حياتنا مبتعدين عن هذه المجاملات؟
سنعطي مثالًا آخر لذلك: كمدح شاب أراد أن يتزوج ويكمل دينه، فيذهب الأهل ليخطبوا له، ولكن للأسف يكون الكلام في تلك اللحظة مبالغة من المجاملات، فيزعمون أن ابننا مواظب على صلواته، وصاحب أصدقاء صالحين، ولا يتعاطى سجائر أو ما شابه ذلك، وتنبهر بما تسمعه، ولكن الحقيقة غير ذلك! وأحيانًا أخرى يحدث مع الفتاة أيضًا؛ فيزعمون أن ابنتنا تُجيد تحضير الطعام بكل أنواعه، وستكون ربة منزل ممتازة، وبنتا هادئة مطيعة، ولكن -للأسف- في النهاية تكون البنت لا تعرف أمور الطبخ، ولا حتى بعض المهام والمسؤوليات تجاه هذا الزوج.
وللأسف، هذا واقع نعيشه، ويجب أن نصدق في حديثنا مع الآخرين، وتوضيح الصورة من جميع زواياها، ولا نقع كما ذكرت أعلاه في مصيدة المجاملات المزيفة، لربما ستقول لي: الحياة الآن أصبحت مجاملات حتى تسير عجلة الحياة، ونقول: نعم، جامل وانطلق، ولكن خالف ذلك الرأي في ذلك، فأنت بهذا التصرف تزيد الطين بله، وسنعيش فقط في المجاملات رغم الأخطاء المحيطة بنا وتراكمها وتكدسها ليس من صالحنا.
ففي صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: «أَثْنَى رَجُلٌ علَى رَجُلٍ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ويْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ مِرَارًا، ثُمَّ قالَ: مَن كانَ مِنكُم مَادِحًا أخَاهُ لا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ أحْسِبُ فُلَانًا، واللَّهُ حَسِيبُهُ، ولَا أُزَكِّي علَى اللَّهِ أحَدًا أحْسِبُهُ كَذَا وكَذَا، إنْ كانَ يَعْلَمُ ذلكَ منه».
نعم.. لماذا قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- «ويلك» والويل واد في جهنم؟ وقال: «قطعت عنق صاحبك»، أي قتلته بهذا المدح الذي حمل الكذب في باطنه؟
فالمجاملة مرغوبة ما لم تشجع على فساد أو ظلم وتسكت عن حقّ، وهي تعني في بنائها الصرفي المشاركة في عمل الجميل أو قوله، وبمعنى آخر هي ردّ على الجميل بالجميل وعلى اللطف باللطف، وعلى عمل الخير بعمل الخير، المجاملة لها وقتها ومكانتها الصحيحة، ولتعلم متى تجامل لتسعد قلبًا، ومتى تقول الحقيقة بدون مجاملات ولا مقدمات. هناك مجاملات أحيانًا مطلوبة في حياتنا، ولا أطلب منك أن تجامل شخصًا وأنت تعلم أنه على سبيل المثال يكذب وينافق ويمشي بين الناس متكبرا.
خففوا من المجاملات فليس كل ما يلمع ذهبًا، ولا تقعوا في الأخطاء المتكررة، وقدر المستطاع كونوا بعيدين عن هذا الأمر، وعيشوا حياة عنوانها الصدق وسط هؤلاء البشر؛ لترسوا على شواطئ الأمن والأمان.