لا
أحمد بن موسى بن محمد البلوشي
لا أعتقد بأن يختلف شخصان في كون فن المجاملة من الفنون الجميلية في الإتيكيت اللفظي، فن تتقنه المجتمعات المثقفة والمتحضرة والمتقدمة، ومن الضروري أن نتعلم كيف نجامل الناس؛ إذ إن هذه المجاملة في الكثير من الأحيان يتولد عنها الاحترام والتقدير، وأحيانًا تعزز من النفس وثقة الشخص إذا استخدمت بالطريقة الصحيحة وفي الوقت المناسب، والمجاملة لا تعني الكذب، فالمجاملة من الفنون الرائعة التي نستخدمها بصورة دورية في حياتنا؛ سواء في العمل، أو البيت، أو حتى في الشارع، فهي من أفضل الفنون وأسرعها للوصول لقلوب الآخرين، وزرع الابتسامة على وجوههم؛ ولهذا نجد أن الكثيرين لا يتقنون قواعد هذا الفن وأصوله، يقول خبير الإتيكيت محمد المرزوقي: “المجاملات فن مهم جدًا في حياة كل إنسان، والشخص المجامل دائمًا محبوب وسط الجميع”.
كنا نحضر فعالية مجتمعية، فيها العديد من المشاركين من فئات المجتمع المختلفة؛ طلبة ومعلمين وأطباء ومهندسين وأولياء أمور وغيرهم، ومن المواقف التي صادفتني في هذه الفعالية وتأثرت بها؛ عندما طُلب على هامش هذه الفعالية من مجموعة من الشباب المشاركين، والذين يتميزون بفن الإلقاء والخطابة بتقديم موهبتهم لاختيار أحدهم ليشارك في تقديم أحد الاحتفالات أو اللقاءات القادمة، يقول أحد المشاركين: ” أنا من ضمن الشباب الذين تم اختيارهم للمنافسة، وأنا أمتلك هذه الموهبة وأتدرب عليها كثيرًا، وقد شاركت في الكثير من الدورات لاكتسب الكثير مما ينقصني فيها “، شاب طموح لديه الثقة في نفسه متمكن في أدائه، ولكن هذا لا يعني بأن يكون هو الأفضل من بين المتقدمين، ربما يكون هناك من هو أفضل منه أداء وموهبةً، وعندما انتهى من تقديم عرضه سأل أحد المحكمين هل تم قبولي؟ فجاءه الرد من المحكم وبدون مقدمات “لا”. ألا توجد كلمة أفضل من لا؟ أليس من الجيد أن يمتلك هؤلاء المحكمون شيئًا من المجاملة؟ أما كان من الأفضل أن يثني عليه وعلى أدائه ويوجه له مجموعة من النصائح والإرشادات ليطور من نفسه، ومن ثم يقول له بأن هناك من هو أفضل منك، ومن ثَمَّ لم يتم قبولك.
هناك الكثير من الكلمات إذا قيلت مباشرة للطرف الآخر دون بعض المجاملات والمقدمات؛ فإنها تؤثر في النفس بصورة كبيرة سواء كانت هذه الكلمات إيجابية أو سلبية، وبعضها يكون تأثيره قويًا في النفس، وخاصة إذا وجهت للشباب والطلبة، فيبقى تأثير الكلمة لفترة طويلة في نفسه، وربما تؤثر فيه وفي سلوكه أو أدائه أو مستواه التعليمي، فكم من كلمة غيرت مسار حياة شخص! إما أن يكون هذا التحول إلى شخص مبدع ومتميز، أو تضعه في طريق مسدود وتهوي به إلى القاع.
فنصيحة لكل مربٍّ وولي أمر وقائد بأن نختار الكلمات التي يكون تأثيرها لطيفًا في القلب والنفس، فالكلمة ليست مجرد أحرف تُقال، بل هي طاقة عظيمة وموجات مؤثرة عندما يتم إرسالها للآخرين، ويجب علينا كذلك أن نتعلم فن المجاملة وأصوله، الفن الذي يُعلمنا كيف نُوصل بعض الكلمات السلبية للطرف الآخر بصورة مهذبة وجميلة.