غير حياتك.. واعرف الكنز المدفون داخلك
خلفان بن ناصر الرواحي
لقد منّ الله على كل إنسان في هذه الحياة بكثير من القدرات، ولكل منا قدراته الخاصة التي يتميز بها عن الآخرين. تلك القدرات الكامنة التي يكتسبها بالفطرة، أو ما يكتسبه من تجارب الحياة هي التي يستمد منها قوته الحقيقية، وتجعله مستمتعًا بأداء بعض الأعمال التي يرى نفسه يميل إليها ومتقنًا إياها، وتشير أكثر الدراسات المتعلقة بهذا الأمر إلى أنه غالبًا ما يبدأ التعرف على هذه القدرات في فترة الطفولة، ويكون ذلك من خلال ما يلاحظ من ميول خاصة إلى أداء بعض الألعاب بطريقة مختلفة عن الآخرين، فعلى سبيل المثال؛ فالمتتبع سلوك الطفل الذي نراه ببراءته الطفولية يبدع في بناء البيوت بالرمال على الشاطئ، أو بنائه الحجارة والطين أو بأي وسيلة أخرى، فيتوجس لدينا شعور بأن هذا الطفل ذو ميول وقدرات هندسية مستقبلًا، وكما نلاحظ شغف الطفلة أيضًا عند الوقوف مع والدتها بالمطبخ؛ لمساعدتها أو طلبها التجربة للطبخ، ندرك بعد ذلك أن هذه الطفلة مستقبلًا سوف تصبح من أفضل ربات البيوت.
إذًا، فهذه القدرات يحتمل أن تكون كامنة في داخلنا منذ الطفولة، ولكنها تحتاج إلى بحث وتنقيب وفراسة حتى نصل إليها ونظهرها في أفضل صورها وعلى حقيقتها؛ وذلك للحصول على أعظم استفادة منها لنا ولغيرنا أيضا. ولكن من الملاحظ أن المشكلة في كثير من الأحيان تكمن في عدم قدرتنا على التوصل إلى القدرات الخاصة بنا واكتشافها، ليس هذا فحسب، بل إننا غالبًا نسبح ضد التيار، فكثيرًا ما نسمع عن أشخاصٍ ظلوا يحلمون طوال حياتهم أن يعملوا في وظائف معينة، أو امتهانهم حرفة، وظلوا يبنون تلك الآمال والأحلام بأحلام نرجسية تكاد تعانق السحاب، والتحليق بها إلى عنان السماء، لينتهي بهم المطاف إلى العمل بوظيفة أخرى لا تحقق لهم الطموح.
وليس هناك أدنى شك في أن الإبداع الحقيقي عندما يعمل كل منا بهمته، وليس على حساب القفز على أكتاف الآخرين، فالعمل في مهنة ترتبط بقدرات الشخص واهتماماته تضفي عليه قدرًا من السعادة والمتعة والتميز، ويدفعه ذلك إلى إتقان هذا العمل ورفع قيمته المعرفية والمكانية في بيئة العمل والمجتمع، ويحفزه إلى ابتكار طرق جديدة لتساعده على تقدمه وازدهاره وتنمية مواهبه وصقلها.
ولذلك يتطلب الحرص على توجيه هذه القدرات الخاصة، والبحث عن الوسيلة والوقت؛ لكي ينطلق كلٌّ منا نحو رحلة البحث عن الإبداع والوصول للكنز المدفون، فمن الأهمية بمكان أنها تتفق مع اهتماماتنا وقدراتنا، والتي نثق بوجودها بالفعل، فما علينا إلا أن نوفّر لأنفسنا المساحة الكافية للبحث عن إمكاناتنا وقدراتنا الحقيقية، ونتفرغ لأنفسنا بترك وقت كافٍ للتفكير والخلوة مع الذات، فلن نستطيع اكتشاف مواهبنا الحقيقية في ظل وجود جدول يومي مكتظ بالمهام والمسؤوليات دون العناية بمواهبنا وقدراتنا الكامنة التي نعشقها ونستطيع الإبداع فيها دون غيرها.
وعلينا أن نقلص بعض وسائل التواصل الحديثة وبعض المشاركات الاجتماعية التي لا تفيدنا، ونركز أكثر على أنفسنا، والبحث عن الكيفية التي تساعدنا على الربط بين العقل المفكر، والقلب النابض، وطرق تنمية الشعور بالذات، فهذه أول خطوة في مشوار البحث عن قدراتك الخاصة.
بالإضافة لذلك علينا أن نتعلم فن الاكتشاف والاستفادة من تجارب الآخرين، والتعرف على تعددية المهام والواجبات الحياتية التي تمنعنا من التعرف على قدراتنا، وتقف عائقًا أمامنا للوصول إلى اهتماماتنا. فكر في الأشخاص الذين تنجذب إليهم بشدة، وفقًا لميولك الشخصية، وما يتماشى مع اهتمامك ومكامن القوة لديك، وتعرف على كنوزك الخاصة، وسوف تجد دلائل كثيرة على موهبتك وقدراتك داخل عملك أو منزلك، واسأل نفسك ما الدافع من وراء تثبيت هذا الكم الكبير من المعرفة والاهتمام؟ وانطلق نحو تحقيق “استخرج كنزك المدفون…”