تربية المواطنة..
هلال بن حميد المقبالي
يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال: هل للمواطنة تربية؟ والجواب عن هذا السؤال: نعم، للمواطنة تربية، ولولا هذه التربية لما لبث وطن يفاخر بحضارته، وبإنجازاته، وبشعبه.
أول ما يظهر في موضوع تربية المواطنة هي تلك الأسرة السعيدة المستقرة الآمنة المتعاونة، والمتكاتفة المتحابة، أفرادها يتشاركون في حمل مسؤوليات هذه الأسرة، ولو كان عكس ذلك لضاعت هذه الأسرة بين النزاعات والمشاحنات والخلافات، كذلك حال الوطن إذا كان أبناؤه يشعرون بالانتماء الصادق إلى هذا الوطن، يقومون على المبادئ والقيم الإنسانية والإسلامية والاجتماعية، يغارون على أرضه وعرضه، ويحمون مكتسباته وإنجازاته، ويحافظون على خيراته وثرواته، ويسعون لتجميله وتحسينه؛ لاستقام الوطن، وعاش الجميع على أرضه في أمن وأمان، ولو كان عكس ذلك لما استقام الوطن، وسيكون عرضة للأخطار سواء من الداخل أو الخارج، فمن هذا المنطق تكون المواطنة.
تأتي تربية المواطنة من الحب الأسري والمجتمعي، فالمواطنة هي شعور الفرد بالانتماء إلى جزء من قطعة أرض نشأ وتربى عليها، ويحافظ عليها، والانتماء للوطن يمتزج بين الحب والارتباط، ومحبة الوطن فطرة في البشرية، ولكن لا بد من الأخذ بهذه الفطرة إلى ما هي عليه؛ وذلك بغرس حب الوطن من خلال تعزيز الجانب المدني، وما يشمله من خبرات ومفاهيم وقيم، تنمي عاطفة النشء، وولاءهم لأسرهم ومجتمعهم ووطنهم، ما يجسد ذلك الغيرة على الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه والمشاركة الفاعلة في بنائه، ورفض التفرقة بكافة أنواعها وأشكالها.
تقوم المواطنة على أساس الحقوق والواجبات، وتتجلى في الاعتزاز بالانتماء للوطن والولاء له، واحترام القيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع، ومن ذلك التعايش الاجتماعي، والمشاركة الفاعلة في الحياة في مختلف جهات التنمية التي نتمناها لوطننا؛ ويأتي ذلك من خلال دور الأسرة أولا؛ فهي الحاضن الأول في تنشئة النشء، وزرع المبادئ والقيم الفاضلة، وتعديل سلوكهم وتفكيرهم، وتعويدهم على ممارسة حقوقهم، وإشراكهم النقاش في بعض المسائل التي تصادف الأسرة، وتأتي المؤسسات التعليمية ثانيًا، فالمدرسة هي المنبر الذي يعلي شأن الفرد والخط الأول لمحو الآثار السلبية التي قد يتلقاها، أو يمارسها النشء، ويكتسبها من بعض الأسر والمجتمع ظنًا منهم أنها طرق سليمة لجهلهم بها؛ فيتوجب على المؤسسات التعليمية منذ البداية اختيار المنهج السليم والمناسب، الذي ينمي حب المواطنة، ويغرس المحبة بين طوائف المجتمع، وبناء مبدأ احترام الآخر، والنأي عن حب الذات، ويأتي بعهدها دور وسائل الإعلام والمؤسسات المجتمعية والمدنية الأخرى، المرتبطة بخصوصية المجتمع لتعزيز هذه التربية، ومنع التسييس في القضايا الطائفية والمذهبية والقبلية، التي تفتك بالأمم والقيم، والأدلة على استغلال هذه القضايا كثيرة، وواقعها مرير ومؤلم.
إن الاهتمام بالتربية التي تسمو بالفرد إلى حب وطنه تركز على المحافظة على فطرته، وتنميتها فكريًا واجتماعيًا ونفسيًا، وإيجاد التوافق الاجتماعي من خلال العدل والمساواة بين أبناء المجتمع، والبقاء على الترابط الأسري والمجتمعي، فهو الأساس الأسمى لتربية المواطنة؛ حيث تعتمد تربية المواطنة في تكوين المواطن الواعي الممارس حقوقه وواجباته في إطار ثقافي تربوي وبث فيه الأمل وحب الوطن، الذي يعدّ الحصن المتين والحصين ضد كل التدخلات المعاكسة التي تؤثر في مصالح الوطن والمواطن؛ مما تؤهله مستقبلًا لحماية هويته، وأداء عمله والدفاع عن وطنه، والحفاظ على حضارته وثقافته وتاريخه، والاستعداد التام للذوذ عنه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، ضد كل ما يضر بأمن الوطن والمواطن، سواء كان هذا الخطر من الداخل أو الخارج.