مشاهد من نافذة الحياة
عبدالله بن حمدان الفارسي
لتتخيل جلوسك على نوافذ مشرعة، متاح لك من خلالها مشاهدة الأحداث على مسرح الحياة المفتوحة، وأن تدوّن ما يستحق التدوين وتؤرخه، ليس بالضرورة أن يكون ذلك على ورق، ولكن من المهم جداً ترسيخه على صفحات عقلك، في زوايا منه غير قابلة للاندثار.
ما أتحدث عنه لا علاقة له بالمشاهد الحركية والانفعالات الخارجية لمن هم يعتلون المسرح الحياتي، فتلك المشاهد لا تمثل الحقيقة الفعلية للمكنونات الداخلية للكائن البشري، وهذا هو العنصر الأهم لما لنا من علاقة وتواصل مباشر معه، وهنا تكمن الصعوبة لمن لا يجيدون سبر الأغوار وقراءة مابين السطور، أو التأويل حسب المعطيات الشخصية، فالأمر يحتاج لممارسات، وتجارب، وتحليل، وتعايش، وتفاعل، شريطة ألا تكون تلك الاستنتاجات والتحليلات نابعة أو مبنية على عاطفة ذاتية، كره أو حب، وبعيدة عن الواقع، فالأمر تتوقف عليه أحكام نهائية غير قابلة للاستئناف أو الاعتذار، لذا ربما نصل لأحكام ظالمة نتيجة ذلك التسرع، أو فشل ذريع لعلاقة كان الخير مأمولاً فيها، فإن عدم التمعن السليم، والتدقيق الصحيح بالفكر السوي، يوصلنا لما لا يحمد عقباه.
عذراً أيها القارئ الكريم، لا يمكن توجيه أصابع الاتهام إليك بسبب عدم إدراك ما سبق سرده، وهذه أحدى المعضلات التي ستكون ديباجة الحدث أو الحديث، فمعظمنا تتحكم به عواطفه، وفلسفته التربوية التي استمدها من محيطه، مثلما قمتُ أنا به الآن من إصدار حكم على الجميع بعدم إدراك ما أعنيه، وفي الحقيقة ربما يكون هناك من قام بتفنيد طرحي، وحلحلة محتواه قبل الانتهاء منه، وهو لا علم له بالغيب، ولا بخفايا النفوس، ولكن استنتاجه هذا بناه على تجربة سابقة، رصد فيها تصرفاتي، وطريقة تفكيري، ومؤهلاتي الذاتية، وسلوكياتي التي استمدها من معايشته لي، في هذه الحالة تسرعي هذا بالحكم على الكل أو على فرد يُعد من الأخطاء التي يقع فيها الكثيرون عند إطلاق الأحكام جزافاً على الآخرين، وكأنه استشف بواطنهم وجواهرهم مدعياً ذلك من علم الفِراسة، وهذا علم له مداخله، وفهارسه، وله علماؤه، ولكني شخص أبني أحكامي بناء على وقائع، هنا ربما بعضكم يخالفني الرأي فيما سأذهب إليه، وهو أن الفراسة لها كما يدعي أهلها من الخواص القدرة على قراءة خوافي النفس من خلال ما يرتسم من تعابير الوجه، أو نظرات العيون، وهذا ما يقودنا ولو جزئياً بالاستطاعة على قراءة الغيب، وخفايا النفوس، وهذه مقتصر علمها وخفاياها على الله جل جلاله، أو بعض الرسل والأنبياء أو أولياء الله الصالحين، وهي كرامات منًّها الله عليهم، ولا يخصّ بها العامة، وهذه الخواص أو الصفات غير قابلة للاكتساب من خلال التعلم، وأحياناً وبمحض الصدف أن يتنبأ الإنسان بشيء ما، ويصدق ظنه فيه، وذلك بإيحاء من الله، وليس بقدراته الذاتية، بعضنا يدعي أن التنبؤ بأحوال الطقس والظواهر الكونية وحدوثها له صلة بالفراسة، نعم قد يكون ذلك من باب التقريب، ولكن العلم والدراية بهذه الظواهر مبني على جزئيات أو مسببات أولية، وأحداث مسبقة، تتيح للمختص بناء القراءة التقريبية لما قد يحدث، وهذا بحد ذاته علم يدرس، ويكتسب من الممارسة والعمل الدؤوب والتجارب العديدة، وفي بعض الأوقات لا تصدق تلك التنبؤات، ويقتصر علمها على الله، كما هو الحال عندما يحكم المُحكم على شخص تكون أحكامه عليه بناء على شواهد وأدلة مقرونة بالبراهين والثوابت غير القابلة للشك إلا ما ندر، وليست على الحدس والفراسة، وأيضاً تُبنى على سلوكيات وممارسات وأحداث متكررة منه، يجانبها البحث والتنقيب عن سيرته الذاتية، ونستشهد على ذلك بأهل الثقة والرأي السديد.
خلاصة القول وهذا من تجربة شخصية وتنبؤ ذاتي، بأن لا نصدر أحكامنا جزافاً على الأشخاص على فرضية الحس أو الظن؛ فقد نَظلِم أو نُظلَم.