المقاومة العمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي (( ١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
أحمد بن علي المقبالي
الجزء السابع والثلاثون:
كان عن العلاقات العمانية البريطانية في عهد اليعاربة.
الجزء الثامن والثلاثون:
مقالنا اليوم -إن شاء الله- تعالى سوف يكون استكمالاً للمقال السابق، والذي يستعرض المعلومات عن العلاقات العمانية الإنجليزية في عهد اليعاربة.
– في عهد الإمام ناصر بن مرشد اليعربي طلب من الشركة الهندية الإنجليزية في سورات إرسال مبعوث من قبلها؛ للتفاوض من أجل إقامة علاقات تجارية مع بلاده، وفي يناير عام ١٦٤٦م أرسلت الشركة فليب وايلد إلى صحار للتفاوض، وتم توقيع اتفاقية بالشروط التالية:
١- يتمتع الإنجليز بحرية التجارة في صحار.
٢- إعفاء الإنجليز من الرسوم الجمركية في المناطق الخاضعة للإمام.
٣- للإنجليز كامل الحرية في ممارسة طقوسهم الدينية الخاصة بهم.
٤- تنظيم القواعد الخاصة عند وقوع منازعات بين الرعايا الإنجليز والعمانيين.
٥- السماح للإنجليز بحمل أسلحتهم في صحار.
– برغم توقيع هذه الاتفاقية إلا أنها لم توضع موضع التنفيذ؛ بسبب انكماش التجارة الإنجليزية في الخليج مقابل صعود التجارة الهولندية.
– عام ١٦٥١م وعند تحرير مسقط، بدأ التجار الإنجليز بجلب الأرز إلى مسقط في مقابل استيرادهم التمور والخيول، وقد استمر التقارب العماني الإنجليزي؛ مما شجع البريطانيين على الطلب من الإمام السماح لهم بإنشاء وكالة للشركة في مسقط.
– عام ١٦٥٩م أرسل وايد، رئيس مجلس الشركة في سورات ممثلاً عنه، وهو الكولونيل رينسفورد إلى مسقط للتفاوض مع الإمام سلطان، وقد أثمرت المفاوضات عمّا يلي: –
١- السماح بفتح وكالة للشركة في مسقط تحرسها حامية لا يزيد عدد أفرادها عن مائة رجل.
٢- يتقاسم الإنجليز والعمانيون الإيرادات الجمركية.
– لم يضع الإمام هذه الاتفاقية موضع التنفيذ، وقد اختلف المؤرخون حول السبب الحقيقي، ولكن السبب المرجح أن العمانيين لم يرغبوا في حامية أجنبية على أرضهم التي عانوا طويلاً حتى حرروها من احتلال أجنبي بغيض دام أكثر من قرن؛ وبذلك فشل الإنجليز في تحويل مسقط إلى ميناء للسفن والتجارة الإنجليزية.
– هذا الأمر لم يؤثر في العلاقات بين الجانبين، ويتضح ذلك من تزايد التجارة البريطانية في ميناء مسقط خاصة بعد تلقّي الإنجليز رسالة من ممثل الإمام في الهند يدعوهم للتجارة مع عمان دون حامية.
– مع تزايد القوة البحرية العمانية، أخذت الحالة تزداد خطورة بالنسبة للإنجليز، وخوفاً من أن يتحول الفُرس إلى الهولنديين نتيحة لتعرضهم لتهديدات الإمام؛ لذلك اقترح وكيل الشركة في سورات ضرورة بيع الفُرس بعض الطرّادات الصغيرة، وقد قامت رئاسة مجلس إدارة الشركة في بومبي ببعث رسالة إلى ملك إنجلترا يحثه فيها على تقديم المعونة للفرس؛ حيث ورد فيها ما يلي: (( إن هيبة جلالتكم عند شاه إيران سترتفع كثيراً بإرسالكم ثلاث سفن إلى الخليج في هذا الوقت؛ حيث اضطربت التجارة هناك بسبب العرب، ومن المحتمل إذا ساعدنا الفرس في هجومهم الذي علمنا أنه سيكون كبيراً ضد العرب؛ فإن الشاه سيدفع الديون المؤجّلة لجلالتكم. ….)) إلا أن الإنجليز رفضوا بيع السفن الحربية للفرس؛ بسبب رغبة الشاه سلطان حسين مهاجمة عمان رغم المغريات الكبيرة التي قدمها الشاه.
– إن امتناع الإنجليز وإحجامهم عن مساعدة الفرس ليس حُبّاً للعمانيين، وإنما لمعرفتهم التامة بقوة الأسطول العماني وقدرته على سحق مثل هذه المحاولة سواء كانت من الفرس أو غيرهم، وكذلك لخوفهم من العواقب الوخيمة التي سوف تترتب على أي مساعدة يقدمونها للفرس.
– عام ١٦٦١م وقّع البرتغاليون معاهدة حماية مع الإنجليز من أجل الحصول على الحماية في مواجهة الأخطار في غرب المحيط الهندي، وتدل هذه المعاهدة وبهذه الصيغة التي يتسوّلون الحماية من الإنجليز على الضعف والوهن الذي وصلوا إليه نتيجة الضربات الساحقة التي تلقّوها من فوهات مدافع سفن الأسطول العماني ورجاله.
– عام ١٦٨٣م هاجمت قطع من الأسطول العماني إحدى السفن الإنجليزية التابعة لشركة الهند الشرقية الإنجليزية؛ مما اضطرها للذهاب إلى جوا؛ لإصلاحها، وفي شهر أبريل عام ١٦٩٧م قام قراصنة هنود بالاستيلاء على عدد من السفن العمانية؛ مما أدى إلى قيام العمانيين بالانتقام بمهاجمة سفينة إنجليزية يقودها الكابتن هايد، وقد قُتل في الاشتباك القتالي (١١) إنجليزياً، وجرح (٣٥) بحاراً إنجليزيا، كما هاجم الأسطول العماني السفينة لندن، وسحبوها إلى مسقط، وأرسل الإنجليز الكابتن ستاسي، عضو مجلس الشركة في بومبي، وأرسل كذلك الكابتن ديوريل إلى مسقط، ولكنهم لم يحققوا أي نتيجة؛ فقد تمّ بيع البضاعة، واقتياد الطاقم إلى الرستاق، وفي عام ١٧٠١م تعرّض الأسطول الإنجليزي التجاري في سورات إلى غارة من الأسطول العماني؛ مما أدى إلى توتر كبير بين عمان وبريطانيا.
– في مارس عام ١٧٠٥م قامت قطع الأسطول العماني بالاستيلاء على السفينة (كلكتا) بقيادة الكابتن مورفيل، وهي محملة ببضائع ثمينة، وهي في طريقها إلى بندر عباس، وعند وجودها خارج رأس جسك قام طاقم السفينة الإنجليزية بإطلاق النار على قطع الأسطول العماني؛ مما دفع قطع البحرية العمانية إلى الاستيلاء عليها.
– في شهر مارس عام ١٧٠٥م زار لوكير مسقط، وقابل والي مسقط الذي أبلغه (( بأن السفينة الإنجليزية قامت بالاعتداء وإطلاق النار على قطعنا البحرية…. وأضاف قائلاً: إن الهولنديين والبرتغاليين وجميع أعدائنا عندما يكونون خائفين منا يدّعون أنهم من بلادكم )).
– أفزعت الردود العمانية الفورية والقوية والحازمة ضد أي اعتداء ضد قواتها المسلحة الإنجليز وممثلي الشركات التجارية الخاصة، فكثر أنينهم وازدادت شكواهم، وقد وعدت الحكومة الإنجليزية ببذل الجهود لتطهير البحار الشرقية من القراصنة، وأنها ستتخذ الإجراءات الرادعة لقلع جذور القوات العمانية بعدما تضع الحرب أوزارها في القارة الأوروبية.
– إن قوة الأسطول العماني وضخامته سبّبت الرعب للإنجليز وغيرهم، وفرض على البريطانيين احترام العمانيين، وأجبرهم على التزام الحياد في صراع العمانيين مع البرتغال والفرس، وبهذا اتسمت العلاقات العمانية الإنجليزية بالحذر الشديد، وكذلك بعض المناوشات الحربية التي لم ترتقِ لحرب بين الجانبين رغم (( تصريح الإمام بشكل واضح باستعداده لحرب الإنجليز إذا ما تصرفوا بعدوانية ضد العمانيين والأسطول العماني )).
هذا ما توفر من معلومات عن العلاقات العمانية الإنجليزية في هذه الحقبة الزمنية من هذا المصدر، وكما هو واضح فالدولة العمانية كانت تتعامل مع الإنجليز من مستوى الندّ للندّ، ومن موقف القوة؛ لذلك نجد أن الإنجليز حافظوا على الحياد مع الأسطول العماني.
مقالنا القادم -إن شاء الله تعالى- سوف يكون عن “العلاقات العمانية الفارسية”.
المصدر: –
– اليعاربة أمجاد وبطولات
المؤلف: –
الدكتور أيمن محمد عيد