2024
Adsense
مقالات صحفية

رحلة مع موهوب … المحطة الثالثة (2)

د. إنعام بنت محمد المقيمية

إن المدارس والنظم التربوية في وقتنا الحاضر لم تطور نفسها بالقدر اللازم لتهيئة المناخ المناسب لتفجير طاقات الموهوبين وتوجيهها في المسار الصحيح، ولإشباع حاجاتهم النفسية والتعليمية الخاصة.
فافتقار المدرسة للمعلم الجيد القادر على تشخيص قدرات الموهوب واكتشافها، وعدم مناسبة المحتوى التدريسي والبيئة التعليمية المحفّزة، من أهم المشاكل التي تواجه الموهوب في البيئة المدرسية.
طُبّقت اختبارات كشف الموهوبين على مجموعة من الطلبة في المدرسة بترشيح معلمات الفصل، ولأن (أروى) لم ترشّح من قِبل معلماتها اللواتي لم يرَين فيها أيّ سمةٍ من سمات الموهوبين، فقد رشحتها معلمة المصادر التي رأت شغفها في قراءة الكتب العلمية، وسرعة قراءتها وانتقائها المتسلسل للمعرفة، وكثرة استفساراتها والبحث عن أجوبتها بين دفّتي الكتب.
كانت أروى مُبهرة للمعلمة، فهي تترك وقت الاستراحة (الفسحة)، وحصص الأنشطة لتتجول في مكتبة المصادر، وفي كلّ مرة تسأل عن كتاب أعمق من الآخر، كانت ترى حبّها للاستطلاع وقوّة ملاحظتها ووعي انتباهها لفترة طويلة في القراءة.
والملاحَظ أن كمية المعلومات العلمية والعميقة التي مع أروى ليست بحجم المعلومات التي تُطرح في وقت الحصّة، مما ظهر عليها بعض السلوكيات.
فعادةً ما يشعر الموهوبون بالملل والضجر والإحباط من المناهج المدرسية التي لا تستثير اهتماماتهم كموهوبين، ولا تُشبع احتياجاتهم للمعرفة الواسعة والعميقة، كما ينفرون من المهام الروتينية العميقة التي لا تتحدى استعداداتهم العالية، مما يؤدّي إلى التراخي والتكاسل وعدم التحمّس للدراسة.
أما سالم الذي التقيتُ به في العيادة النفسية برفقة والده بتحويل من إدارة المدرسة لمعاينته، الذي لم يجد المعلم المتفهم لحاجاته، المدرك لسِماته وصفاته المتفردة عن بقية الطلبة العاديين، ولا البيئة الداعمة والوسائل التعليمية التي تستثير فكرهُ وشغفه وتشبّع حاجته العقلية، فاختار الصمت الاختياري ليحمي نفسه ومفهومه لذاته من التوتر والقلق والتشكك في قدراته.
فمن أول جلسة إرشادية كسر الصمت وأبهرني بإبداعه في صنع قرية من الصلصال الرملي والنحت المتقن، والجمال المفصل في اللوحة الإبداعية، كان يحدثني عن يومه في القرية بتعابير لغوية في جُمل مفيدة وواضحة تتصف بالخيال الحيّ، مما يشير إلى صفاته العقلية التي تميّزه عن الطلبة العاديين الذين يماثلونه في العمر الزمني.
لم يكن أديسون يتصف بالغباء والبلادة، وكذلك أروى وسالم لم تكن تلك صفاتهم، فالمعوقات التي أظهرت فيهم تلك الصفات وعرّضتهم للذبول والتدهور وتهديد أمنهم النفسي وفقدهم للحماس وانحراف استعدادهم وقدراتهم المتميزة عن الطريق المنشود لتأخذ مساراً عكسياً، كانت نتيجة مُربٍّ غير مدرك لسمات وحاجات الموهوبين اللذين يمرون بأوقات عصيبة وحرجة في حياتهم تجعلهم يشعرون بالحاجة إلى من يقدّرهم ويقدّر عوامل اختلافهم وعدم تشابههم مع الآخرين لمساعدتهم في مواصلة طريقهم في الموهبة والإبداع.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights