طلاسم…!
خلفان بن ناصر الرواحي
هل ما يدور حولنا من مجريات هو طلاسم يصعب علينا فكّ تفاصليها، أم أنها ذات سرية محكمة احتفظ بسرِّها عند مجموعة محدودة دون غيرهم؟!
أم أن الحياة تسير في معترك غريب يشوبه الغموض؛ فتتصارع فيه البشرية وكأننا نعيش في عالم الغاب- البقاء للأقوى- ونسير في نفق مظلم يقودنا إلى عالم المجهول، لا يعلم حقيقته إلا مدبر الكون ومصرفه؟!
إنّ ما نراه من واقع تتقاذف على البشرية محن دون هوادة، وتسود عليها في كثير من الأحيان نعرة الغطرسة وحب الهيمنة، أو التهجم بفلسفة الطلاسم المبهمة دون مراعاة لحقوق غيرنا ومشاعره، فلم يسلم شيء إلا أصابه بعضٌ من ذلك الشرر، وعلى وجه الخصوص شر الطلاسم المشؤومة، ونسي من يمثل ذلك الدور أن وجهه شاحبٌ – وربما أصابه شيء منها-، ويتنكر بقناع إخفاء الحقائق في كثير من المواقف، ويدَّعي البراءة وهو منغمس في وحل يصعب عليه الفكاك منه!
فما نراه في واقع حياتنا اليومية في عالمنا العربي والإسلامي خاصة دون استثناء؛ يعد مؤشرًا ينبئ بمستقبل يسوده الكثير من الغموض، فكأنما نعيش تحت وطأة تأثير الطلاسم، ولم يسلم منه مجتمع رغم تفاوت التأثير من بلد إلى بلد، ويعتمد ذلك التأثير على قوة المبهمات بين السطور عند محاولة تحليليها، وهكذا دواليك ينتقل المرض المستعصي، ويصيب بعض من يدعي العصمة، ويتبجح بالكلام المعسول، ويظهر نفسه بأنه في صف الفئة التي أصابها شر البلاء، وخبايا الطلاسم المرعبة التي باتت تفتك حتى بالتماسك والنسيج الاجتماعي، لتحدث شرخًا يصعب التئامه مستقبلا، ويندرج تحت طائلة تلك الطلاسم خبايا فتاكة تكاد تذهب الحرث والنسل.
يا للعجب! كيف وصل بنا هذا الحال؟ وكيف أصابنا هذا الاستسلام، والصراع الظاهر والخفي؟ وما خفي كان أعظم!
ليتنا أصلحنا حالنا، وسخّرنا طلاسمنا السرية لما هو مفيد لنفع الوطن، والأمة، والعالم أجمع؛ لنسعد شعوبنا، وأنفسنا، وليبقى الحب الوطني هو الشعار الذي يكون حاضرًا دون تخفٍ، والمصلحة العامة تكون فوق كل اعتبار، ومراجعة نص المنطوق قبل التجرؤ على البوح به دون مراعاة للعواقب، والتحدث بخطاب متزن بما هو معقول ومقبول ومقنع لما يحقق الاستقرار، وحب الوطن والمواطنة دون تصنع ولا نذير ملّغم بالطلاسم…!
فما أحوج الشعوب أن ترى وتسمع من يلامس ما تصبو إليه من توازن يحقق لها الاستقرار المعيشي، والاقتناع بالمبررات التي تسودها الشفافية، وعدم المبالغة في التصنع بما يخالف الواقع، وبلا شك كلما كانت الرؤية واضحة وشفافة كانت المؤشرات مقنعة ومقبولة، وكلما كانت الطلاسم مفهومة المغزى فإنها سوف تقلل حالات التذمر والشكوى، ولكن عندما تتضارب الأقوال وتتلاقى الطلاسم المبهمة؛ سيبقى الأمر محيرًا وغير مقبول من الجميع مهما كانت المبررات.
وما أحوجنا أن نجد من يتحلى بتلك اللحظة الحاسمة ليقيّم الوضع والخروج من دائرة التشكيك في افتراضات غير مبررة، ويخرج لنا دائماً من تلك البوتقات الممتلئة بالطلاسم أقوى المؤشرات الإيجابية، لبناء الثقة لتحقيق الغايات والأهداف المرجوة، مع خضوع من كلّف بالأمانة لمراجعة نفسه وتحملها، وإحداث تغيير جوهري في داخله.