الحقوق الزوجية في الإسلام (٦)
د. عبدالحكيم أبوريدة
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فلقد تناولنا في مقالنا السابق حقا من الحقوق الزوجية والتي أوجبها الإسلام للمرأة؛ وهو (المعاشرة بالمعروف) أو حسن العشرة، ولحسن العشرة صور كثيرة منها؛ إكرامها والتلطف في معاملتها، وإدخال السرور عليها، والصبر عليها، وتحمل ما يصدر عنها من أذى. قال تعالى: ( ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)النساء.
وإكرام الرجل امرأته وحسن معاشرتها دليل على سمو الأخلاق واكتمال الإيمان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم). رواه الترمذي وابن ماجه.
ومن إكرامها التلطف معها، ومداعبتها، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلطف مع عائشة رضى الله عنها فيسابقها وتسابقه. تقول عائشة رضى الله عنها وأرضاها:( سابقني رسول الله ، فسبقته، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني. فقال: هذة بتلك). رواه أحمد وأبوداود. وروى أحمد وأصحاب السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال:( كل شيء يلهو به ابن آدم، فهو باطل، إلا ثلاثاً: رمية عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهم من الحق).
ومن إكرامها أن يتجنب إيذاءها، ويشعرها بحبه لها، ويتخير من الكلام ما لا يجرح مشاعرها أو يثير غضبها وانفعالها، فإن الكلمة الطيبة تزيد فيما بينهما من الحب والمودة ، أما الكلمة الخبيثة فإنها تنفر القلوب وتقطع الأواصر، وربما تؤدي إلى إشعال نار العداوة بينهما فتتسع هوة الخلاف بينهما، ويحل الشقاق محل الوفاق؛ فيقع الطلاق.
والمرأة كثيراً ما تدفعها عواطفها إلى فعل ما تعاب عليه بحكم تكوينها ووضعها الاجتماعي، وبحكم ما يناط بها من الأعباء، وما تعانيه في حياتها من ألم الحيض والحمل والنفاس وغير ذلك.
فعلى الرجل أن يقدر ذلك كله فيكون بها رحيمًا، وعليها عطوفاً حرصاً على بقاء المودة والرحمة ودوام العشرة وصفو الحياة.
قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه:( قلت يارسول الله: ما حق زوجة أحدنا علينا؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت).رواه ابو داود. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج).متفق عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً، رضى منها آخر).
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.