معركة الوعي
هلال السليماني
معركة الوعي واحدة من القضايا الصعبة التي تقودها الأمم والشعوب والدول، مؤسسات وأفرادًا في سبيل النهوض بالفكر وتوعية المجتمع وتوجيهه نحو مسارات صحيحة؛ حتى لا تغرق الأجيال في الفوضى والعشوائية، ومن خلال المتابعة الدقيقة لحالة المشهد العماني يُلحظ هذا التوجه على مستوى القيادة السياسية والدينية؛ فحديث جلالة السلطان المعظم حول تاثير وسائل التواصل الاجتماعي على الأسرة والأبناء، والتوجيه الأبوي إلى ضرورة الالتفات إلى هذه الجوانب حتى لا تتشكل الشخصية العمانية تحت تأثير موجات التغريب والتجهيل، وهي التي تمتلك من الرصيد الحضاري ما يحفظ كينونتها واستقلالها في إطار من القيم والمرتكزات والثواب، وعدم الانسياق وراء الغثاء الذي تحمله قنوات التواصل، كما أن حديث الشيخ الجليل -حفظه الله- حول ضرورة أن يلتفت الإنسان المسلم إلى قضايا الأمة الأساسية، والابتعاد عن التيارات المضللة، التي تقطع صفاء الإنسان واستقراره وطمأنينته، وهذا الدور كان وما يزال رسالة الأنبياء والرسل والمصلحين؛ فمنذ بدء الخلق وتوجيه سيدنا نوح لابنه، مرورًا بسيدنا إبراهيم عليه السلام لأبيه، وصولًا إلى سيد الخلق الذي جاء بكمال الرسالة وكمال الدين في قوله الحق: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] }، وسلسلة الكتب السماوية والشرائع التي كانت تحفظ للإنسان فكره وعقله وعرضه وماله ودمه هذا الحفظ الذي يضمن له الاستمرارية؛ حتى يؤدي رسالة الله في الأرض ليسير بمقتضى منهج الله. ولقد واجه الأنبياء والرسل والمصلحون وقادة الفكر والرأي على مر التاريخ تحديات، وصد من دعاة الجهل التسلط.
وقد تجسّدت الصورة في صراع الحق مع الباطل بين سيدنا موسى وفرعون حتى قال قولته: {… مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر 29]. هذا الفكر الإنساني إذا لم يكن مستمدًا من قيم سماوية ثابتة راسخة، فهل يمكن أن يحقق الخلاص والطمأنينة للبشرية؟
وهذا الشطط وحب التملك والتسلط هو الذي طغى في عصرنا الحاضر وفي سالف الدهر؛ لذا نجد البشرية عبر تاريخها حتى اليوم تعاني الكثير من الظلم والاضطهاد، ومن ويلات الحروب والقهر، هذه الشعوب تركن إلى مجاهل الغياب والنسيان والتخبط بحثًا عن طاقة النور التي احتجبت عن أعين الناس، ربما بمحض إرادتهم، أو إرادة غيرهم، وعليهم الآن استعادة المبادرة.
وفي عصرنا الحاضر يجب أن يقوم العلماء والمفكرون قادة الراي والمصلحون بدور التنوير والإصلاح حتى تستقيم الحياة. فكل إنسان على هذه الأرض عليه ممارسة الوعي بشكل أو بآخر، وتشكيل ثقافته، ووعيه، وشخصيته، والبحث عن الحقيقة عبر الوسائل المتاحة والمصادر الموثوقة، وعند العلماء المخلصين الراسخين في العلم، والكتب، وفي قنوات التنوير حتى نسير في هذه الحياة على هدى ونور.