بين الاستغفال والتغافل
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
من المؤلم جداً حين تُحسن الظن بمن حولك من أصدقاء وأقارب وزملاء عمل، وهم يستغفلونك، وتكتشف بعد فترة أنهم يظنونك ساذجاً، ومن السهل أن يتلاعبوا بمشاعرك ويخادعوك؛ ليصلوا إلى ما يريدون.
الاستغفال: هو الاستخفاف بعقول من تحب، وإهمال مشاعرهم، وخيانة ثقتهم بك، أو استدراج لشخص في أمر معيّن، كشخص يحب ويثق؛ ومن ثَمّ يتفاجأ بأن من يحبه يستنزف عواطفه ويتجاهله.
ومن يستغفلك بتصرفاته لا يعدّ وجودك شيئاً، ومن لا يعدّ وجودك ربحاً له لا تعدّه رأس مال، ومن لا يقدّر وجودك لا تعظّم غيابه.
نعم، هُم كُثر في مجتمعنا يستغفلوننا كثيراً، ويحاولون التلوّن، ويجيدونه بكلّ إتقان، ولكن لنطمئنكم قليلاً أن ذلك لا يدوم طويلاً؛ فسرعان ما ينكشف الغطاء، وتنتشر رائحة الغشّ والخداع، ومن يستغفل يستحق العقاب ووضعه في القائمة السوداء.
المستغفل شخص سيّئ الظن والنوايا، لا يفرّق بين الصالح والطالح في ذلك، لا تهمه العلاقات الاجتماعية ولا حتى الأسرية، فقط ما يهتم له هو مصالحه الشخصية، يجيد التمثيل والتملق، مخادع من الدرجة الأولى.
هُم يستغفلون ونحن نتغافل، ونقول: علّ وعسى أن يصلح الله شأنهم، ويسيئون الظن ونحسنه، ويكذبون علينا ونمثّل أننا نصدق ما يقولون، ويتجاهلون مودتنا ونتجاهل ما يفعلون.
يتساءل بعضنا: لماذا نتعامل معهم بلطف وأخلاق عالية وهذه صفاتهم وأساليبهم المكشوفة أمامنا؟
ونقول: نتجاهل ونسلم؛ لنكمل الطريق، فلا ضرر يصيبنا ما داموا تحت السيطرة، وما دُمنا نرى كل خطواتهم وتحركاتهم، نتعاطى معهم بقدر ما يظنون مع الحذر ألّا نكشف الأمر أمامهم؛ لنتحكم في توجيههم بما نريد دون أن يشعروا، وهذا نوع من العلاج؛ حتى نخرجهم من حالتهم النفسية السيئة، ونعلمهم أن لديهم الأفضل، وأن الصدق طريق النجاة، والطرق الملتوية لا توصل إلى نهاية الطريق.
توجد هذه النماذج في كل مكان وفي كل زمان، وعليك أن تعرف طريقة تفكيرهم؛ لكي تتقي شرهم، فمن أسرار النجاح أن تتجاهل وتتغافل، وأن ترسل إشارة لهم أنك تثق بهم، وتصدق ما يقولون، وتصرّف كما لو أنك لا تعلم؛ بذلك تستطيع أن تصل إلى أهدافك عن طريقهم.
من الحكمة أن تكون هادئاً، وألّا تستعجل في اتخاذ قراراتك، وأن تتحكم في تصرفاتك وانفعالاتك؛ حتى تصل بهم إلى اليأس، وألّا يحققوا ما يخططون له عن طريقك بالاستغفال.
دائماً ابتسم في وجوههم، ولا تغضب بسبب تصرفاتهم، وستقودهم أنت بدلاً من أن يقودوك؛ فالقائد الناجح هو من يتحكم فيمن حوله دون أن يدركوا.
في العمل ستجدهم يلتفّون حولك، ينافقونك ويُظهرون اهتمامهم بك، فاحذر أن تنفذ كل مطالبهم كي لا تقع في فخهم، ويحتموا في إدارتك.
تعامل بذكاء، وتظاهر بأنك تبدي اهتمامك بهم، ولكن انتقِ كلماتك وعباراتك، وافعل ما تخطط له، وأقنعهم بأسلوب راقٍ بأن طريقهم لن يجلب لهم إلا الخسران، وأن ما يفعلونه خاطئ، وأن عليهم تغيير المسار، وتصحيح أوضاعهم بدون الشدّ، أو التشدد، أو التعصب للرأي.
جادلهم بالتي هي أحسن، ولا تعطهم وعوداً دون مشاركتهم في العمل الذي تقوم به، راقبهم جيداً دون أن يشعروا، دعهم يسيرون في طريق مستقيم بتوجيهات لا تشعرهم بالتسلط، وفرض الرأي عليهم، لا تنسحب من دون تبرير الأسباب، بل حاربهم بنفس أسلوبهم، ولكن تأكد قبل ذلك أنك تستطيع أن تسيطر على الموقف.