استيقظوا
د. مصبح الكندي
يحقق العالم هذه الأيام تقدمًا علميًا لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، حقق التقدم والازدهار للعالم أجمع، ومع مروره بكوفيد 19 لم يقف مكتوفًا ولم ينتظر دوره في اللقاح وإنما بدأ البحث في أسبابه وعلاجه وأدواته التي تواجه مشكلاته التي أحدثت طفرة طبية لدرء الخطر عنه، فهذه سوهان الصينية تخرج أحد عشر ألفًا من طلابها مع شراسة المرض وانتشاره، وعلى مرأى ومسمع العالم دون أي احتياطات ومسؤوليات، أليس هذا تحدٍّ صارخ لنا نحن العرب الذين ألفت نفوسهم الاستهلاك دون أن يكلفوا أنفسهم البحث وعودتهم إلى مصافّ الدول التي لها الأثر العلمي في عالم يتحدث عن الاكتشافات العلمية أرضًا وبحرًا وجواً، ألم يحن الوقت لإصلاح التعليم وأدواته والتركيز على شبابه الذين تزخر بهم الأوطان وتوجيه قدراتهم وعقولهم نحو الإنتاجية التي غابت قرونًا عنا؟ فيما كانت أوروبا ترزح تحت ظلام الجهل أصبحنا نتحدث عن منجزاتها وتقدمها في جميع نواحي الحياة.
فالسؤال الذي يطرح نفسه:
ماذا حقق أسلافنا من مجد وعزّة لهذه الأمة التي تحدّث عنها الغرب بكل شفافية ودون تعتيم؟ وما الذي حققناه نحن في هذه المرحلة والمراحل السابقة؟ وماذا تركنا للأجيال القادمة ليتحدثوا عنه؟
تحدثا عن ابن عميرة الرستاقي وآثاره في الطب وغيره في مجالات أخرى، فماذا عسى أن يتحدث الجيل القادم عنا؟
إنَّ التقدم العلمي للغرب يكشف مدى البَون الشاسع بين عالمنا وعالمهم، وبين عالم القرون الأولى التي أسهم فيها علماء العرب إسهامًا كليًا في تقدمه ليكشف لنا غشاوة الأمر، ومدى قدرة الشعوب على الوقوف بسواعد أبنائها لا بانتظار ما يقدم لهم، ويكشف عوراتنا لهم وعوارنا وتوجهنا وعجزنا عن الإبداع العلمي والفكري،.
لقد ضربت بعض الدول نداء الشعوب عرض الحائط في دسّ سموم الهيمنة عليها وبيان ضعفها، فمضت نحو التقدم فأصبحت في مصافّ الدول التي يخشى أمرها ويحسب لها ألف حساب، أما الدول الفقيرة علميًا وفكريًا مهما بحّ صوتها فهي فقيرة في ذاتها، فماذا تنتظر غير موتها واندثارها؟ هل تنقصنا المادة أم العقول أم التخطيط أم التوجه السليم أم القيادات الإدارية القادرة على حركة العالم وقيادته؟ ألم يحن الوقت لإصلاح منظومة التعليم واختيار روّادها وقياداتها التي تسهم في تقدمه وتوجيهه؟ ألم تكفي البهرجة؟ ألم يصبنا الغثيان من أفكارهم وقوانينهم وقراراتهم التي أتعبت أسماعنا وهاجت في نفوسنا؟ فيروس بل فيروسات التعنّت، وأنهم يخدموننا كأنهم يلعبون لعبة الشطرنج في دولتنا التي لها باعٌ طويل في العلوم المختلفة، حتى الاحتفال بهم أصبح تراثًا يذكر في عالم لا يؤمن إلا بمن يضع قدمه في عالم يتلاطم سياساته التي تُملى عليه من الخارج، فهل أصبحنا آلة تدار حسب قوانين وضعوها من أجل الاسترخاء وتهميش عقولنا؟ حتى المفكرين منّا أصبحوا يعيبون شهادات غيرهم والتقليل منهم، فماذا بقي؟ ألم يحن الوقت في بناء العقل العماني المفكر وبناء كل ما يدفعهم إلى الإنتاجية، والعمل العلمي المبرمج والموجّه وبناء المختبرات وغيرها؟ مما يدفعنا إلى العمل الجادّ والإنتاج الفكري والعلمي، بدلاً من الوقوف أمام أبوابهم نتسوّل من تقدمهم وأفكارهم وعلومهم يرمون لنا الفتات من جهودهم، لقد أنهكونا وزرعوا في عقولنا أننا أصبحنا ضعفاء في كل مجالات حياتنا واستهلكوا طاقاتنا، وأننا غير قادرون على العطاء فقط نتغنى بالأمجاد التي وصلوا هم إليها، أين نحن منهم؟ هل تنقصنا العقول أم الخبرات أم القيادات؟ لماذا نجح الأجداد وبنوا حضارتهم العلمية والفكرية؟ هل يكفي أننا حصدنا جوائز الاوسكار في كذا وكذا؟ أين جائزة نوبل في العلوم الفضائية والطبية وغيرها؟ ألم يحن الوقت أن نربي أولادنا على العطاء وصنع الحضارة؟
يكفي الخوف الذي غُرس فينا وغرسناه في أجيالنا من المستقبل، ونضوب بعض معطيات الطبيعة، وإننا سنرجع إلى ركوب الجمال، إنها مفخرة افتخر بها الأجداد وأسسوا حضارة عظيمة لم يلهثوا خلف الغرب، دافعوا بدمائهم، وبأقلامهم، لم يخشوا نضوب الموارد الطبيعية ولا غيرها.
إن التقدم العلمي والحضاري في الدول المتقدمة ساد العالم في جوانبه العلمية والفكرية بفضل قدراتهم على تسويقه، وعلى أنها حضارتهم، بل هي امتداد لحضارة الأندلس وغرناطة وغيرها في الجوانب الطبية والعسكرية وغيرها، عندما خططوا وفهموا وعملوا ارتقوا إلى سلّم الحضارة التي تغنينا بها في تلك العصور، وربما من كان يقودهم من يسكن في كوخ صغير لا يملك ما نملكه، فصنع لهم حضارة عظيمة لأنه يؤمن بوطن وشعب، وترك الأنانية وأخذ ما يكفيه، فأخلص لوطنه وشعبه (ولي وطن أليت ألّا أبيعه …. وألّا أرى غيري له الدهر مالكا).
لقد صدق ابن الرومي وهو ينادي وطنه ويستنهض فكره وعقله ومن حوله حتى يعيد لوطنه العزة والمكانة. هذه العقول التي تملك الأوطان لتعمّ نفعها العام، مستخدمة كل ما يدور حولها من تكنولوجيا، ولا غرابة أن ينسبون الأعمال إلى أهلها والاستفادة منها، فقد وقعوا عهدًا وقسمًا بأن يقدموا كل ما في وسعهم لأوطانهم وما يدينون به من هيمنة وفكر.
لذا ندعوكم إلى الاهتمام بالشباب تعليمًا وتثقيفًا ودعمًا بالكلمة والعمل الجاد، والتدريب، والتسليح بالعلم والأخلاق، وبثّ روح العمل فيهم، وإعطائهم الأولوية، وإصلاح الشباب إنما هو إصلاح حقبة قادمة نفتخر بهم في ميادين العلوم المختلفة ويحتاجون إلى دعمكم، يكفي أن نغرس فيهم حبّ الوطن وأن نسقيهم من خيراته لينعموا معكم بثرواته التي حباها الله إياها.
حفظ الله عمان وطنًا وشعباً.