كلمات
أمل مصطفى
أحيانًا نسمع كلمات معينة، تجعلنا نطير فرحًا من سعادة تأثيرها في أرواحنا، وأحيانًا أخرى نسمع بعض الكلمات التي يكون وقعها مؤلمًا ..
قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:(إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا) (صحيح البخاري:5146 )، بمعنى أنَّ في الكلام لمفعول السحر في همتك وطاقتك وأملك وعزمك وإصرارك في مشاعرك وإحساسك، وفي الكلام أيضًا مفعول مؤذٍ وسيئ في نفسك، يسبب الجرح والكسر والإحباط، وأحيانًا كثيرة تجعلك بعض الكلمات تزهد في الحياة، وتكاد دقات القلب تتوقف وتنزف النفس ألما إثر سماعها، وخاصة الكلمات الجارحة أو التي تقلل من الشأن، وتنتقد ما بنا من عيوب نرى حينها كل أمراض الدنيا تظهر، بل يكاد الفرد يدخل في حالة إعياء لا سبب لها ..
إن الانسان مخلوق ضعيف، ولا يتحمل كلاما سلبيا، وكثير من جوانب حياة الإنسان قائمة على الكلام، وهو يعمل ويعيش في هذه الحياة، من أجل سماع كلمة إيجابية ومحفزة له، فالإنسان الناضج لا يختلف أبدًا عن الطفل الذي يريد كلمة طيبة ممن حوله؛ ليستمر في عطائه..
والإنسان هو الكائن الوحيد الذي تؤثر فيه الكلمات، فكلمة تسعده وأخرى تشقيه، فالكلمات الحلوة المشجعة تعطيه نشاطا زائدا، ولها تأثير السحر ليس على المستوى النفسي والمعنوي فقط، إنما على المستوى الصحي والجسمي..
فهى تؤثر في الروح المعنوية للإنسان، فتجعله منشرح الصدر فرحًا سمحًا مبتهجًا قادرًا على مصالحة نفسه، ومصالحة الآخرين، بل ومصالحة أعدائه، وهي مفتاح القلوب، تطفئ نيران العداوة، والبغضاء، وتريح النفوس، وتؤلف بينها، فكم من كلمة أحيت قلوبا وأعادت إليها نبضها، وازدهرت بها مشاعر كادت تموت! وكم من كلمة كانت محفزة لإبداع ونجاح وتفوق! بالكلمة الطيبة أحيانا تملك عقول الناس ومشاعرهم، وتؤثر فيهم بالإيجاب والمحبة والود، فهي يحتاجها الطفل، والأب، والأم، ويحتاجها أيضا الموظف، والمدير المسؤول، والمعلم، والمتعلم، والغني، والفقير، والناس متعطشون للكلمة الطيبة في أي منصب ومكانة كانوا؛ لأن الكلام الطيب الجميل يصل إلى القلب بدون وساطة ولا استئذان ..
فخاطب الناس كما تحب أن يخاطبوك..! فإن خاطبتهم بطيبة، وإيجابية، وود، فإنهم سيخاطبونك بارتياح، وبنفس الكلمة الطيبة والإيجابية والود، وسيختارون أطيب الكلمات، وأرق العبارات في الرد على ما كلمتهم به، وبما أظهرته لهم من مشاعر طيبة إيجابية؛ مما يزيد أواصر الود والمحبة بين الجميع؛ لأن تلك الكلمة العطرة الطيبة هي انتصار على الشيطان، وتحقق لصاحبها المغفرة ورضا الرحمن، وتعمل على اجتماع الأمة وتآلف القلوب، وتقضي على مظاهر الفساد فى المجتمع، كالغيبة، والنميمة، والفاحش، والسيئ من القول، يقول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام:( ليسَ المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا اللَّعَّانِ ولا الفاحشِ ولا البَذيءِ) (صحيح الترمذي: 1977).
نحن نشاهد ما يجري اليوم في العالم من خصومات وعداوات، إن كان على الصعيد الداخلي للشعوب، وحتى على صعيد الأُسر، والأقارب، وبين الأفراد فيما بينهم، أو على صعيد العلاقات بين الدول، وبين الشعوب فيما بينها، ليس إلا محصلة لشح ربيع الكلمة الطيبة التي لو نطقت وسمعت وترددت بيننا؛ لما بلغت الضراوة والقسوة في التعامل بين الناس والشعوب ما بلغته !!
إن الفرق بين الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة واضح جلي لكل ذي فطرة سليمة، فهو كالفرق بين الحق والباطل، والفضيلة والرذيلة.. فالكلمة الطيبة تبني وتعمّر، والخبيثة تهدم وتخرّب، الأولى تطبع الحياة بالبياض النقي، والثانية تطبعها بالسواد القاتم..
فيجب أن نعرف وندرك ما معنى الكلمة ؟ فمفتاح الجنة فى كلمة، ودخول النار على كلمة، وقضاء الله هو الكلمة.. إن الطريق إلى السعادة ما هو إلا كلمة، فإذا أردنا أن نكون سعداء، فالأجدر بنا أن يكون الكلام فيما بيننا جميلا خاليا من كشف مناطق القبح أو الضعف في الآخرين، وألاّ نقف على سلبياتهم، وأن نستظل بمناطق الجمال فيهم، وصدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول:(مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أوْ لِيصْمُتْ). (صحيح مسلم: 47)
طبتم، وطابت كلماتكم ..
وكما قال المبدع عبد الرحمن الشرقاوى في قصيدة الكلمة في مسرحية الحسين ثائرا وشهيدا:
أتعرف ما معنى الكلمة؟
مفتاح الجنة في كلمة
دخول النار على كلمة
وقضاء الله هو الكلمة
الكلمة لو تعرف حرمة
زاد مذخور
الكلمة نور
وبعض الكلمات قبور
بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري
الكلمة فرقان بين نبي وبغي
بالكلمة تنكشف الغمة
الكلمة نور
ودليل تتبعه الأمة