الخال (زايد)، والمال (وايد)
أحمد بن سليم الحراصي
كثيرا ما نسمع مقولات يتداولها العامة من الناس، مقولات يتناقلها الكبار ويتأثر بها الصغار؛ لِما تحويه من بلاغة سجعية؛ فلطالما كان السجع مُضّفيا للكلام جرسا موسيقيا ويزيده رونقا ونمقا، فيجذب أذن السامع ويزيد من التعبير قوة ووضوحا، فيحبها الصغار فنراها مقولات سريعة الانتشار والحفظ وسهلة المنال ليتكلم الصغار بها بلسان (شايب) حلب الدهر أشطره، فتتناقل الجمل بين جيل وآخر دون أن يدرك الكثيرون منا بأنها مجرد عبارة مضللة وتحمل من الوهم والخيال ما تحمله.
لا أعرف حقيقة مصدر مقولة كهذه (الخال زايد والمال وايد) ومن أين أتت ومن الأحمق الذي قالها وفي أية حالة كان هو فيها؟ فلا أنا قادر على فهم مقولته ولا أراها أنها واقعية تحاكي واقعا ملموسا نعيشه، فكم من رجال حملوا اسم (زايد) ولكنني لم أرهم إلا مدقعي الجيوب ويذمون هذا الأخرق في مقولته التي صار يتغنى بها الصغار، لابد وأنه كان يقارن ثروة الشيخ زايد (حاكم الإمارات الراحل) بثروة رجلاً بسيطا يحمل اسم (زايد)، فأنا أيضا لديَّ أخا اسمه (زايد) ولكنه بالكاد يكون رجلاً ميسور الحال وأنا وهو وجميع الأخوة الأربعة الآخرون خالنا اسمه (زايد) -رحمه الله-. ومع هذا سأُكذِّب مقولة هذا الأحمق قليلا؛ لأننا لا نمتلك المال (الوايد) الذي تحدث عنه، فهل جعلته صفاقته هذه في التصنع بالحكمة أم أنه كان سكرانا وصار يُملي على السامعين مقولاته ذات الرونق الكلامي، أو أنه كان في غمرة حسد كادت أن تحرقه وتأكل الذي عناه في مقولته ، فلا أعتقد بأن المسكين قد عاش طويلا بعد هذه المقولة فيه، ربما أفلس وربما أنتزعه وادٍّ ما فلم تنقذه إلا شجرة تعلَّق بها فذهبت كل أمواله هباء نحو البحر، فرب كلمة أوردت إلى مهالك.
إنَّ هذا الأحمق البليد جعلني أفكر مائة مرة في مقولته الحمقاء هذه، فأنا سبق وأن أخبرتكم بأن خالي (زايد) وعلى هذه الحال فأنا دائمًا ما كنت أنتظر المال الوفير هذا أو (الوايد)، ولكنني سئمت من طول الانتظار وآثرت السكوت قليلا إلى أن طفح الكيل وقررت أن أفصح عنه وأقول بأننا لا يمكن أن نصدق مقولات بمجرد أنها بلاغية نسمعها منذ أن كنا صغارا، لا بأس في أن نحفظها لكن عندما نبلغ أشدنا علينا أن نعي ما حفظناه، ما محتواه؟ ماذا يعني وما الذي سيفيدنا إن استمررنا في حفظه؟ فكل ما يُقال لك في الصغر ينقشه عقلك في ذاكرتك ولن تستطع أن تتخلص منه دون أن تمحصه يومًا عندما تكبر وتفهم مغزاه، فإن كان ذا فائدة فليكن وإن لم يكن فاطرحه أرضا فأنت لست مكلفا في أن تحمل ما لا تفقهه ، ليس مهما من هو قائلها لك ومن أين سمعتها وفي أي مرحلة كنت، المهم هو أن تفهم ما سمعته أو شاهدته، فكم من مقولات قيلت وهي لا تحاكي الحقيقة، فعندما يقول لك أحدهم بأن السكوت علامة الرضا فهذا لا يعني أن سكوتك أو سكوت الآخرين هو رضا، فقد يكون احتراما وقد يكون كلاما ليس بحاجة إلى رد، ولابد أنك سمعت من قال لك بعبارة عامية (نام بكير واصحى بكير وشوف الدنيا كيف بتصير) فهل يا ترى صدقته؟ فالذي ينام مبكرا ليس بالأحرى أن يصحو مبكرا فللنوم دورة إن اكتملت وأنت لا تزال نائما فستبدأ دورة أخرى وعندما تصحو والدورة الثانية لم تكتمل فهذا يعني أنك ستصحو متثاقلا ومع هذا فانت قادر أن تنام متأخرا لتصحو باكرا.
إلى من قال لي يوما (الخال زايد والمال وايد)، أقول لك بأن مقولتك تمثل نظرتك ولم تمثل واقعي، ولست هنا لأبيِّن لك بأنني غير راضٍّ عن نفسي، فأنا ولله الحمد أعيش في (نعمة) وتكفي أن تشرح هذه الكلمة لك الكثير مما لا تعرفه عني وعن الكثيرون الذين تعنيهم مقولتك، فكم من أناس تم تضليلهم بمقولات خاطئة فقد قيل لكم مثل هذه العبارات البلاغية المضللة أيضا، لذلك أقول بأن بعض المقولات تجعلنا نصدقها ولكن فجأة وفي لحظة ما تجعلنا نعيد قراراتنا ونكتشف بأنها كانت مجرد مقولة مضللة! كنت صغيرا سمعتها فحفظتها وهذا أمرٌ لا بأس به لكن إياك أن تفكر بأنه نهاية المطاف، عندما تكبر أعد النظر فيما حفظته، ابحث عن ما في داخلك من مقولات وحللها، ستكتشف في النهاية ان بعضها لا تسمن ولا تغني من جوع فقط مجرد بوح امرئ يرى في نفسه أنه حكيما.