لوحة الحياة
خلفان بن ناصر الرواحي
يقال: ” على قدر الصّبر يأتي الجبر، وخلف الصّبر أشياء جميلةٌ تُنتظر…”. فعندما تجعلك الأقدار تتصارع مع ابتلاءات كُتبت عليك لتلتقي معها في صفحات حياتك، وتتجرع معها الهموم والآلام؛ فعندها لا تتوقّف وتغلق على نفسك الأبواب وترتدي ثياب السواد، فالصبر جميل، وهو بمثابة المفتاح السحري، ومن ثَمَّ يقودك إلى عتبات باب النجاة في كثيرٍ من الأحيان إذا ما عرفت سرّ ذلك، فانظر إلى الحياة من خلال نافذة ملوّنة بأجمل الألوان التي تعشقها، وتشعرك بتجاوز مرارة الابتلاء وغصته، فستجد أنّ هذا الكون واسع ومبهـر وجميل، وستجد أنّ الحياة رائعة إذا قمت بتلوينها بنفسك، ورسمت لوحتك التي تتمناها بجميع الألوان بجماليات نفسك البريئة.
إنَّ كلّ يوم يمرُّ من عمرنا هو صفحة من لوحة حياتنا، وكلُّ شخص منا يملك لوحة لحياته الخاصة، وهي ملكٌ له فقط، ولو تشارك في ذاته بقلبه مع شخصية أخرى، وتخيل وجودها لترافقه في تلك اللوحة، فالمحظوظ هو من استطاع أن يختار شكل لوحته، ووفق في اختيار ألوانها، واستمتع بمفردات تفاصيلها بفرشاته التي يملكها للتحكم في هواجس شعوره الإيجابي، ولا يدع مجالًا للظروف والأشخاص يؤثرون عليها؛ فيفسدوا تناسق الألوان ويفسد رونقها وتفاصيل أسرارها.
نعم، إنها الحياة بكل تفاصيلها، وهي لوحتنا الخاصة، وتتفرد بمعطياتها وتفاصيلها عن الآخرين، وقد تقسو علينا الظروف، فأحيانًا يغلق الله سبحانه وتعالى أمامنا بابًا؛ لكي يفتح لنا بابًا آخر أفضل منه، ولكن معظمنا لا ينتبهون ولا يصبرون، ويضيّعون تركيزهم ووقتهم وطاقتهم في النظر إلى الباب الذي أغلق، بدلًا من النظر إلى باب الأمل الّذي انفتح أمامهم على مصراعيه في لحظة السكون والصبر؛ فتضيع فرصة النجاة.
لهذا نقول: تحلَّ بالصبر؛ ليأتي الجبر، وخلفه أشياء جميلةٌ كنت تنتظرها، فإذا أنهَكَكَ الألم فخذ من حنايا قلبك المُتعب والمثقل بمتاعب الحياة واليأس المفرط نبضة حبّ صادقة، ونظرة أمل لمستقبل مشرق بالتفاؤل؛ لتنثرها على روحك الطاهرة المتلاطمة بالتفاهات التي أقنعت عقلك بها، وصدقتها جوارحك، واستسلمت لها، واعلم أن لكل شيء نهاية، وأن الحياة- وإن قست- فإنها لك ولغيرك، فخذ مِنها ما لَكَ، ودَع ما ليس لك لغيرك.