2024
Adsense
مقالات صحفية

الجنون الفكري

أحمد بن موسى البلوشي

يقول محمود العقاد: “القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب”، لهذا تعدّ القراءة ذات فائدة كبيرة في بناء عقل الإنسان، وتنمية أفكاره وثقافته، وتطوير مهاراته؛ من خلال ما يكتسبه من معارف ومعلومات جديدة؛ ولذلك يجب علينا قراءة ما هو مفيد لنا، وتجاهل الكثير من الغثّ الذي لا يزيدنا معرفة وعلما، والتعامل مع ما نقرأ بعقلانية وحكمة، فمع التطور الكبير في التكنولوجيا؛ أصبحت القراءة مُيَسّرة، وبالإمكان الحصول على كمّ من المعلومات المتنوعة، ومن مصادر متعدّدة.

فهل تصدق كل ما تقرأه؟ وهل تؤمن بكلّ المعلومات والمعارف التي تمر عليك؟ وهل تنفعل وتتفاعل مع كل البيانات التي تقرأها في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة؟ وهل تؤمن بكل الأخبار التي يرسلها لك أصدقاؤك؟ وهل تصدر أحكاما على أشخاص ومؤسسات من مجرد قراءتك لخبر أو معلومة ما؟
إنْ كانت إجابتك على أغلب هذه الأسئلة بنعم؛ فهذا دليل على أنّك قد وصلت لمرحلة تحتاج فيها إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرك وتعاملك مع كل المعلومات التي تقرأها، ويجب أنْ تؤمن بالقاعدة التي قالها أنيس منصور: ” إذا كنت تصدّق كل ما تقرأ؛ فلا تقرأ”.

تصلنا معلومات وأخبار بصفة دورية وبصور متعددة في كلّ وسائل التواصل الاجتماعي التي نستخدمها، ونقرأها، ونتفاعل معها، ولكن ما يؤسفني أنّ بعضنا يتفاعل معها وكأنّها حقيقة، وهي في الأصل أغلبها أخبار عارية من المصداقية، وربما تكون منقوصة المعلومة، فتجد بعضنا يعلّق ويتفاعل بحرقة، وينتقص من قيمة الآخرين، وكأنّ هذا الخبر صاعقةٌ نزلت من السماء عليه، ما الداعي لكل هذا؟ ما الذي يجبرك على هذا التصرف؟ هل من المعقول أنْ تصدق كل شيء تقرأه؟ هل عقلك وطريقة تفكيرك هي التي توجهك لهذا؟ والمؤلم في الموضوع أنّ بعضنا يقوم بنشر هذه الأخبار والمعلومات وتناقلها بين الآخرين، ويؤكد مصداقيتها وصحتها، وهناك فئة من الناس شغلها الوحيد تصديق كلّ الأخبار والمعلومات التي تكون ضدّ الوطن ومنجزاته، وأما إن كان الخبر في صالح الوطن تجده يكذبّه، وينتقص منه.

هل بعضنا وصل لهذه المرحلة من السذاجة؟! وأستشهد هنا بقول الكاتب محمد أمين الذي يقول: “المفترض أنّ الكاتب يكتب ليستفز فيك مَلَكة النقد والتفكير، فهو يملك فكرة وأنت تملك أفكارًا‏، هو في «مود الكتابة»، فلا تكن في «مود التلقي» فقط، فإذا كنت في مود التلقي؛ فإنّك ستكتفى بما تقرأ، وهذه درجة أخرى ونوعية أخرى من القراءة، ولا أتصور أنّ الكاتب يستهدف هذه الفئة، فالكاتب ليس مدرسَ حصة أو منهج، ولا يريدك أنْ تحفظ عنه.. هو فقط يشجعك على البحث في الموضوع من خلال إثارة القضية!”.

وأختم بقول جورج برنارد شو “القراءة جعلت دونكيشوت إنسانًا محترمًا، لكن تصديقه ما قرأ جعله مجنوناً”.

فكن عزيزي القارئ ذا حنكة وحكمة، واستخدم عقلك وتفكيرك فيما تقرأ، ولا تجعل كل من يكتب حرفا أنْ يثير جنونك الفكري.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights