لغة الضاد
ريحاب أبو زيد
لـو لم تكُنْ أمُّ اللغـاتِ هيَ المُنى
لكسرتُ أقلامي وعِفتُ مِدادي
لغـةٌ إذا وقعـتْ عـلى أسماعِنا
كانتْ لنا بردا على الأكبادِ
سـتظلُّ رابطـةً تؤلّـفُ بيننا
فهيَ الرجـاءُ لناطـقٍ بالضّادِ
هذه الكلمات التي نسجها الشاعر حليم دموس ليعبر عن جمال لغة الضاد وأهميتها الجمالية بين اللغات الثانية، ولأهمية اللغة العربية يقام في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام احتفالات عالمية باليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي قررت الأمم المتحدة سنة 1973 اعتماد اللغة العربية لغة رسمية، ثم جعلته منظمة اليونسكو يوما عالميا للعربية، ويأتي هذا اليوم لتُعرّف اللغة العربية العالم كله منزلتها الكبيرة الراقية وأهميتها بين باقي اللغات، فهي التي تميزت بأصالة الماضي؛ لأنها من أقدم اللغات في العالم، فهي لغة رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنها اللغة التي أنزل الله بها القرآن الكريم ، وما زالت لغة العرب حتى يومنا هذا.
وتُعد اللغة العربية ركنا من أركان التنوع الثقافي للبشرية، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشارا واستخداما في العالم؛ حيث يتوزع متحدثو اللغة العربية بين المنطقة العربية وعديد المناطق الأخرى، ولها أهمية كبيرة وعظيمة لدى المسلمين؛ فهي لغة القرآن الكريم؛ حيث لا تتم الصلاة والعبادات في الإسلام إلا بإتقان سور كتاب الله الكريم، كما أنها تُسهم في الدخول إلى عالم متنوع من العادات والتقاليد، وتميزت بالإبداع بمختلف أشكالها وأساليبها سواء الشفهية، أوالمكتوبة، أوالفصيحة، أوالعامية، أومختلف خطوطها وفنونها الأدبية، والنثرية والشعرية؛ حيث نثرت مظاهر جمالية رائعة أسرت القلوب، ومن جمال حروفها وروعتها عندما تنطق وتسمع وتكتب، فعندما يكتب الإنسان بالخط العربي تُزين الحروف بلمسة فنية بالحركات القصيرة والأصوات الطويلة، فيزيد الخط جمالًا وإبداعًا، كما في آيات القرآن الكريم، وعندما تنطق بها الألسن تظهر فيها البلاغة والفصاحة، كما أنها سادت لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب، فأثرت تأثيرًا مباشرًا في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، مثل: التركية والفارسية والكردية والأوردية ، وبعض اللغات الإفريقية.
لذا الثامن عشر من ديسمبر يؤكد الدور الهام الذي تؤدّيه اللغة العربية في مد جسر التواصل بين الناس، وإبراز الثقافة والعلم والأدب والعديد من المجالات المختلفة، و هي اللغة الأكثر سحرا وتفردا بين سائر لغات العالم، وتنفرد بعذوبة مفرداتها وتنوعها وسحر تراكيبها، وهذا أعطاها ميزة خاصة لم تتصف بها أي لغة أخرى، فقد نسج لها الشعراء أبياتا في المديح، ومن أهم هذه الأبيات الشعرية:
إن الذي ملأ اللغات محاسنًا
جعل الجمال وسره في الضاد
هذا البيت لأحمد شوقي من أروع الأبيات الشعرية التي تغنت بجمال اللغة العربية، في هذه الكلمات الراقية عبر الشاعر عن جمال لغة الضاد، التي تتميز بروعة ألفاظها وجمال معانيها ودقة التعابير فيها.
ولم تسحر اللغة العربية العرب فقط بجمالها، فقد سحرت الكثير من الأجانب، ومدحها العديد من العرب والأجانب، فقال المستشرق الألماني كارل بروكلمان: (بلغت العربية بفضل القرآن من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أي لغة أخرى من لغات الدنيا).
وقال أيضا المستشرق الفرنسي وليم مرسيه:(العبارة العربية كالعود إذا نقرت على أحد أوتاره رنت لديك جميع الأوتار وخفقت، ثم تحرك اللغة في أعماق النفس من وراء حدود المعنى المباشر موكبا من العواطف والصور)، وقــال الإيطالي كارلو نلينو:(اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقا، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها)، وقال ابن تيميّة رحمه الله :(اعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ، والخلقِ والدينِ تأثيرا قويّا بيّنا، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب).
ألا تستحق هذه اللغة الجميلة أن نعتز ونفتخر بها، ونعوّد أولادنا على إتقانها بطريقة صحيحة، ونغرز فيهم الاعتزاز بها ؟