الاستثمار في العقل أم في التقنية ؟!
صالح بن محمد خير الكعود
باحث وطالب دكتوراه في تنمية الموارد البشرية
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا
يتجه معظمنا إلى تحديث أجهزته الإلكترونية عندما تفيض مداخيله الشهرية عن الحاجة الأساسية، فيعمد أحدنا إلى تحديث الهاتف الجوال أو الكمبيوتر المحمول، أو حتى سيارته أو بيته، فإذا تغيرت ظروفنا أو ساءت أحوالنا المادية لم نكد نجد من إنفاقنا ذلك شيئًا. إنّ الطريقة الرشيدة لاستثمار الأموال الفائضة عن الاحتياج هي أن نوجّه مداخيلنا لتنمية المهارات والقدرات البشرية، إنّه الاستثمار في العقول.
وتشير بعض الدراسات إلى أن المعارف تتجدد كل 18 شهرًا، هذا يعني أنّ علينا أن نبقي أنفسنا على اطلاع دائم على آخر ما توصل إليه العلم، لا سيما في مجال تخصصاتنا، ويترتب على ذلك وضع خطة شخصية لتنمية القدرات العقلية، ومواكبة التطورات العالمية، ولا يتَأتّى ذلك إلاّ بتخصيص مزيد من الوقت والمال لتفعيل هذه الخطة.
ولا ريب أنّ الوصول إلى المعلومة بات أمرًا سهلًا في عصر التقنية ووسائل التواصل الحديث، ولكن تبقى الدورات التدريبية وورش العمل وحضور المؤتمرات العلمية لها التأثير الأكبر، وفي دراسة لشركة IBM العالمية توصلت إلى أنّ استثمار 1 دولار في تدريب العاملين نحصل منه على مورد 50 دولارًا في المستقبل.
إنّ هناك توجهًا جدّيًّا في كبرى الشركات العالمية لاستثمار جزءٍ لا يستهان به من موازناتها المالية في مجال التعليم والتدريب؛ وذلك ليقينها الراسخ بالجدوى الاقتصادية لهذا الاستثمار.
علينا أن نستحدث اقسامًا للتدريب والتطوير مهما صغر حجم شركاتنا أو استثماراتنا المالية، على مستوى الفرد، وعلى مستوى الشركات والحكومات أيضًا، وهناك دولٌ تعد متقدمة الآن، مثل: سنغافورة وماليزيا واليابان لديها تجارب تعد رائدة في الاستثمار في مجال التعليم والتدريب، فأصبحت بفترة زمنية وجيزة دولًا تُدرس تجاربها التنموية في مراكز الأبحاث والجامعات، على قاعدة أنّ الإنسان هو منطلق عملية التنمية وهو هدفها ووسيلتها. لا تنمية حقيقية إذا لم يكن الفرد مؤهلاً لأن يستخدم التقنية، ويطوعها لتنمية نفسه ومجتمعه.
علاوةً على ذلك، إنّ التقدم المتسارع في مجال التقنيات، وتبادل المعلومات، واتجاه معظم الأنشطة التجارية والتعليمية إلى الفضاء الإلكتروني يحتمّ على الفرد والجماعات اللحاق بعجلة التطور السريعة، فالمثل القائل: (مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ يَتَقادَمْ ) لهو حقُ صحيح في عصرنا. إذا أردنا أن نبقى أنفسنا وشركاتنا ومجتمعاتنا في دائرة المنافسة العالمية لابدّ أن نأخذ بعين الاعتبار التنمية المستدامة في الطاقة البشرية التي هي الركيزة الأساسية لأي عملية تنموية.