كيف أكون مشهوراً؟
خلفان بن ناصر الرواحي
لقد أصبحت الشهرة في عصرنا الحالي من المسلمات والأمور التي لا مناص منها عند بعضنا، وخاصة عند مشاهير برامج التواصل الاجتماعي، وأصبحت الشغل الشاغل عند الكثرة منهم، واختفت بسببها أسماء الغالبية العظمى من مشاهير العلم والفكر والأدب، وغابت سمعة القدوة في المجتمع إلا من رحم ربي، واختلط الحابل بالنابل، والجَزْلُ والغث، والمروءة والوضاعة، والفائدة والعبثية، والرسالة الفاضلة والشهرة المبطنة، وغيرها من الأمور الأخرى.
إنَّ مما لا شك فيه أن الشهرة مهما كان مغزاها فإنها سلاح ذو حديّن، وتعتمد ركيزتها على تفكير صاحبها وتوجيهاته، والمجال الذي يريد أن يكون مشهورًا فيه، ولابد أن ينتقي كل منا المجال الذي يستطيع أن يبدع فيه دون تكلف، ولا يغلّفها برياء، ولا سمعة من أجل الشهرة المفرطة، فعلينا تجنب المبالغة في الأمور، وعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي تمس بكيان المجتمع، والعبث بمبادىء الدين والأخلاق والفضيلة، والاقتحام فيما لا نعلم في مختلف أمور الحياة، والمساس بمرتكزات العلم والعلماء في مختلف فروعه.
لهذا فسلاح كل منا بيده، حيث إنَّ الشهرة لا تأتي من فراغ، وتعتمد على العديد من الأمور والمرتكزات الأساسية، ومنها العمل والإخلاص فيه، فهناك الكثير من المشاهير الذين برعوا في العديد من الأمور، وقدموا أشياء أفادتهم، وأفادت مجتمعاتهم وأوطانهم، وربما العالم بأسره، وسوف يُذكرون بالخير سواءً في حياتهم أو بعد رحيلهم.
كما أنه في المقابل هناك مشاهير ظهروا، واشتهروا من فراغ، وليس لهم أي شيء يذكر قدموه أفادهم، أو أفاد غيرهم والمجتمع، وإنما اشتهروا بدون سبب مقنع يلامس الحقيقة والفائدة المرجوة من تلك الشهرة المزيفة، وأمثالهم بمجرد غيابهم لفترة سوف يغيب نجمهم، ولن يعد لهم في الذاكرة أي أساس.
إذًا فالقرار هو قرارك أنت يا من تبحث عن الشهرة، فهل تريد أن تصبح مشهورًا على أساس شيء ذي قيمة يعم نفعه عليك وعلى غيرك وعلى المجتمع؟ أو أنك تريد أن تصبح مشهورًا من فراغ؟ كما أنه ينبغي على كلٍّ منا أن يحدد هدفه وغايته من الشهرة، ويرفع قيمته وقيمة شهرته، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن كنت مميزًا في الأدب والشعر والكتابة فهذه في ذاتها ميزة رائعة ترفع قيمتك ومكانتك، ويمكن أن تنميها، وتسخرها كوسيلة، وبطريقة رائعة تجعلك عَلَمًا مشهورًا، ويستفيد الناس من إبداعك وعطائك، فشهرة الإنسان في موهبته والمجال الذي يستطيع فيه الإبداع، وأن يضع كل منا نصب عينه مراعاة احترام غيره في الرأي، وألا يَهْرِفَ بِما لا يَعْرِف.