لا تعاتبنا بسبب رسالة متبوعة برنّة
خلفان بن ناصر الرواحي
لا شكّ أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة سهلت لنا الكثير من الأمور للتواصل مع الأرحام والأصدقاء والأصحاب، والعديد من الأمور المتعلقة بجوانب الحياة الأخرى في شتى مجالات العلوم والمعرفة، وكذلك التواصل مع العالم الخارجي لتبادل الخبرات وكسب المعارف والعلوم، إلا أن البعض أساء استخدامها وتذليلها بما يتواكب مع المميزات التي ذكرناها آنفاً، وأصبحت هذه الوسائل عند العديد من المستخدمين -وكما أتصوره من منظوري الخاص، وربما يشاركني في ذلك البعض- أنها تُعتبر بالنسبة لهم مجرد تسلية، ودردشة عامة، وقتل للوقت كما يسميه البعض، وما ذلك إلا جهلاً بمدارك المقاصد، وتسخير الوسائل لما هو مفيد، واستغلالاً لما ينفع الناس للتثقيف والتوعية والإرشاد.
فمع إدراكنا لأهمية هذه الوسائل بنظرتنا الشمولية لها، دون الخوض في سلبياتها المبطنة، ومما قد يعتريها من أهداف سياسية، أو أموراً أخرى قد خُطّط لها من قِبل بعض الدول كما هو معلوم لغسل العقول، وتجريد بعض الشعوب من مرتكزات متعلقة بالأخلاقيات والسلوك، والثقافة، والعلوم، وعما هو أساس برقيّ ونهضة الأمم، إلا أن الواجب يحتّم علينا أخذ الحيطة والحذر، وتجنب الوقوع في المحاذير التي تودي بنا إلى المحظور، وعلينا تسخير هذه الوسائل لما هو مفيد لنا ولغيرنا.
وحتى لا نطيل الحديث في هذا الجانب من الناحية الشمولية، فإن موضوعنا يتعلق بجزئية التواصل فقط، وثقافة استخدام هذه الوسيلة، وخاصةً عبر برنامج الواتس آب، حيث نرى أن البعض، وحتى وإن كانوا قلّة إلا أن الأمر ربما يتطور مستقبلاً فتنتشر العدوى منهم لتعمّ الغالبية منّا، حيث أن الأمر يتعلق بقيام البعض بإرسال رسالة مكتوبة أو صوتية ثم يتبعها مباشرة برنة عبر البرنامج نفسه، وليتها تكون رنة واحدة فقط!
نعم لقد بدأت هذه الظاهرة في الازدياد، وأغلب هذه الحالات لا تندرج ضمن حالات الاستعجال والضروريات، فأغلبها رسائل عادية، أو استفسار عن موضوع معين ويمكن الرد عليه في أي وقت، كما أنه في بعض الأحيان يكون المرسل إليه خارج نطاق تشغيل نظام البيانات الخلوية لتشغيل البرنامج، وربما لديه اجتماع أو مشغول في أمر ما، أو هاتفه بعيدٌ عنه، والمرسل لا يأبه لتلك المبررات، وكأن المرسل إليه لا يرغب في الردّ عليه حسب فهم ذلك المتصل!
كما تدخل ضمن هذه الممارسات أن البعض يرسل لك رسالة ويتبعها باتصال أو برنّة، وهو يرغب في زيارتك سواءٌ بمفرده أو برفقة أحد، والمرسل إليه لم يطّلع عليها ويتفاجأ بها بعد قراءتها في وقت متأخر، فربما أنه مشغول أو مرتبط بموعد، أو زيارة خارج المنزل، وقد يقع أحد أو كِلا الطرفين في إحراج نتيجة ذلك التصرف؛ فمن الواجب أن يكون التواصل عبر الاتصال، أو إرسال رسالته عبر وسائل التواصل قبل فترة كافية وانتظار الرد من المرسل إليه.
لهذا يجب علينا أن ندرك أهمية ثقافة التواصل، واختيار الوسيلة الأصوب التي تريحنا وتريح غيرنا، وعدم التهاون في مثل هذه الأمور، فربما قد نقع في موقف محرج سواءٌ كنّا مرسلين أو مستقبلين لمثل هذه الرسائل، وعلينا تجنب إزعاج الغير، واختيار الوقت المناسب للتواصل، فليس كل الوقت الذي يناسبني شخصياً يناسب غيري في الضغط على زر الاتصال بتلك الكيفية التي تطرقنا لها، فلكلّ مِنّا خصوصيته، كما أن علينا مراعاة أوقات الراحة من بعد الظهيرة، وعدم التواصل في ساعات متأخرة من الليل إلا في حالات الضرورة، وكما أن علينا تسخير هذه الوسائل للتواصل بما هو مفيد، والتقليل من إرسال المقاطع المرئية والصوتية، ورسائل الوسائط المختلفة، واختيار ما هو مفيد منها وتجنب ما لا نفع فيه، وترك سلوك الرسالة التي يتبعها اتصال أو رنّة إلا للضرورة، ونقول لمن انتهج هذه الثقافة:
“لا تعاتبنا بسبب رسالة متبوعة برنّة”.