بين الأمّة و الأمومة
د. يعقوب اللويهي
تذكرت قول الشاعر حافظ إبراهيم وأنا أعتمد طلب إجازة غير مدفوعة الأجر لموظفة حتى تتفرغ لرعاية طفلها حديث الولادة فتلك زينة الحياة الدنيا حين قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
وما ذاك إلا تلبيةً لنداء الأمومة في تربية هذا الطفل ومنحه سبل الرعاية ما استطاعت لتعود بعد ذلك لتكمل مسيرة مشاركة الرجل في عملها، فكأنما هي متوسطة طرفَي ميزان تسعى لتجعل دفتيه بشكل متزن، وحتى يتم ذلك فالمباعدة بين الولادات هي أحد عوامل هذا الاتزان فيكون لها من الفسحة ما يمكنّها من إعداد جيل أخذ قدرًا كافيًا من التربية والتنشئة الصالحة خُلقًا وأدبًا وعلمًا
وما أجمل ذلك الهامش التربوي حين قبّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن فقال أحدهم: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا، فقال عليه السلام: “من لا يرحم لا يُرحم “.
فليست المسألة عدداً إنْ لم يصاحب ذلك رعاية وتربية، ويصعب ذلك بغياب التنظيم الأسري ويختل ميزان دور المرأة بين دورها المجتمعي في بناء الأمة وبين الأمومة.
فلا تكفي الكثرة دون الكفاءة، فكم من فئة قليلة أكثر كفاءة من أخرى كثيرة، كما في قوله تعالى:
“إن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا”
ولا يخفى على الجميع الفوائد الصحية والاجتماعية والنفسية في التخطيط الأسري والمباعدة بين الولادات الذي يسهم في إعداد الأم والأمة وليس ذلك بجديد، فعن جابر رضي الله عنه قال ” كنا نعزل والقرآن ينزل” ولذا كان من الحرص تخصيص عيادة في مؤسسات الرعاية الصحية الأولية تُعنى بتقديم الاستشارات المتعلقة بوسائل المباعدة بين الولادات المتعددة التي تتناسب واختلاف الظروف الصحية للمرأة.