حراسة الذات
بقلم ✒ الكاتب: عبدالله بن حمد الغافري
في محاضرة قيمة ألقاها *فضيلة الشيخ خالد الخوالدي* المحاضر بكلية العلوم الشرعية ابقاه الله تعالى ونفع بعلمه في جامع الحلة بولاية الرستاق بعنوان
*((حراسة الذات))* كان لها وقع خاص حيث أجاد فضيلته اختيار العنوان وأبدع في بيان حاجة القلب البشري الى حراسة! خاصة في زمان كثر فيه قطاع الطرق على المستقيمين والسالكين طريقهم الى الله تعالى وتأبط شرا المتربصون في جميع المواقع وفي زمن تعددت فيه كمائن العدو للنيل من عزائم الصالحين والزج بهم في مهاوي الشك أو طرحهم في مزابل المعاصي او تدنيس قاماتهم بفتون الغواية *(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)*
[سورة اﻷنعام: 123]
بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله تدفقت كلمات الشيخ كالسلسال على الحاضرين فأمطرتهم بوابل من الدعاء كأنه غيث على جنة فوق ربوة أصابها وابل خصيب فأنبتت زرعا لا يمكن أن يكون صلدا أبدا..
ابتدأ الشيخ حديثه العطر ببيان أنواع القلوب الثلاثة؛ *قلب حي* وهو القلب الذي يحيا مع الله تعالى ومع التنزيل وينشرح لمعنى العبودية والانقياد للرب الجليل ..
*وقلب مريض* وهو القلب المتذبذب المتعرض للخطر والذي قد تتساوى عنده المعصية والطاعة أو لربما لم يصل الى درجة اليقين.
*وقلب ميت* أجارنا الله وإياكم وهو القلب الذي لا حراك له ولا يتأثر بالآيات المقروءة أو المشاهدة فهذا قلب لا تنفعه الموعظة وتصعب أن تصل إليه الهداية لأنه ربما يكون قد طبع عليه فلم يعد ينتفع بمؤثر خارجي كما أنه لا يخرج ما فيه من غبش وضلالة نسأل الله تعالى الهداية لنا ولكم؛ فالصبر على الطاعة واليقين الثابت واليقين القلبي المتين سبب لأن يكون المسلم إماما في الحق والعدل ، قال سبحانه:
(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [سورة السجدة : 24]
ثم استطرد الشيخ حديثه ببيان أهم الامور التي يجب أن يراعيها المسلم في سيره الى الله تعالى وأن يحرس ذاته فيها وهي كما يلي:
1. *حاله مع المعصية وكيف ينظر اليها* وهذه لفتة عظيمة من الشيخ لأن المعاصي هي البوابة الأوسع للانحراف والعياذ بالله، فأول ما بدأ به الشيطان الرجيم ﻹغواء ابينا ءادم هي المعصية بأن يخالف أمر الله تعالى بالامتناع عن الأكل من الشجرة رغم أن المباح من الحلال كل الشجر عدا تلك الشجرة *”قال هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى”* كما أن للمعاصي آثار سلبية مبيرة على حياة الإنسان فكم من ضاحك من تمتعه بشهوة لحظة لحقته حسرة أبدية تمنى لو لم تلده أمه حتى لا يباشر تلك اللعنة التي ألتصقت به فكم من زان تلبس بمرض نقص المناعة وكم من مراب فقد خير كثيرا من حياته بسبب رباه وما هذه حرب الحوادث والشوارع الا نتيجة حتمية لهذه الجرأة الجنونية على شرائع الله تعالى وأحكامه، وقس على ذلك ما يعن في قلبك من المعاصي .. ورغم أن أبانا ءادم فقط ذاق من الشجرة إلا أن العقوبة كانت أليمة بالإنزال الى أرض الدنيا وفقدان النعيم الأبدي في الفردوس .. ولكن السير وفق المنهج الرشيد هو وحسب المعيد الى جنة الخلود .. فعلى المسلم السليم القلب أن تكون لديه نفرة من المعاصي وأن يدرك عظم الخالق الذي يعصيه ولا يستصغر المعصية مهما ضعفت في ناظريه ..
2. *موقفك من الطاعة* على المسلم ان ينظر الى موقفه من الطاعة ؛ هل لديك إقبال على الطاعة أم أنك تتثاقل عن أدائها وهل هو من الذين (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون) ففد جاء في وصف الصلاة بقوله :(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [سورة البقرة : 45] فالصلاة سهلة بل هي سبب للراحة والطمأنينة (أرحنا بها يا بلال) وليست طقوسا أو حركات رياضية نؤديها لنتخلص مما وجب علينا!! لماذا تورمت قدما رسول الله ﷺ من كثرة القيام .?
أم هو من الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ومن الذين لا ينفقون إلا وهم كارهون!!
3. *أرقب حالك مع القرآن الكريم* هل أنت ممن (يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) هل أنت من قال الله فيهم (وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا) (وإذا سمعوا ما أنزل على الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق) أم من الذين قال الله فيهم (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) هل يخشع قلبك للقرآن أم أن القرآن الكريم مجرد كتاب تزين به الكوهات والرفوف في البيوت..?
4 : *أرقب لسانك* فاللسان بريد القلب فغالبا اللسان ينطق بما تحويه القلوب !! *”ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم”* محمد 30 فراقب لسانك أخي المسلم فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وعليك بانتقاء كلماتك وحروفك فهما دليل القلب الحي فلا تقل الا خيرا ولا تقل هجرا..
5. *موقفك من المنكر* فقد بين فضيلة الشيخ أن على المسبم ان يكره المنكر وان يبغضه وأن يعمل على اقتلاعه بما لديه من قدرة .. فالتغيير القلبي هو أقل أنواع للتغيير لكنه الابلغ أثرا.. ولا عذر لمسلم من هذا النوع من التغيير لأن متعلق بوجدان المسلم .. ولكن الخطر أن يستسيغ المسلم المنكر ولا ينكره ..
قال رسول الله ﷺ (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو لينزلن الله بكم الخسف!!!)
وقد بين الله ط أن السكوت عن المنكر مؤذن بالهلاك قال سبحانه *(واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)*
6. *موقفك مع البصر*
كل المعصي مبداها من النظر .. ومعظم النار من مستصغر الشرر فعلى المسلم أن يراقب ناظريه وأن يجعل بينه وبين المعصي ساترا .. فيكون غضيض البصر عفيف النفس..
7. *تفاعلك مع آيات الله تعالى وموقفك من سبل الهداية وموقفك من سبل الغواية*
.. فالمسلم يحرص ذاته بتدبر ءايات الله تعالى فيأتمر بأوامر ويزدجر عن نواهيه .. وأن يكون راغبا في اتباع الهدى والنور راجيا من الله تعالى القبول .. كما يكون نافرا من المعاصي خائفا وجلا من الوقوع فيها حتى يحمي نفسه من العقوبة قال تعالى ((الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) [سورة اﻷنبياء : 49] فلا يقع في المعاصي خوفا من الله تعالى وخشية من عقابه ..
أخي المسلم أختي المسلمة كونوا حراسا أوفياء لقلوبكم فهي أعز ما تملكون من مواهب ربكم فهي المضغة التي بصلاحها يصلح كل الجسد، ولجسدكم عليكم أن لا تلقوا به الى التهلكة واعلموا أن الله لطيف بعباده.. قال سبحانه ((يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران، فبأي ءادلاء ربكما تكذبان )) فمن نعمه علينا أن حذرنا من شر العقوبة بوم الدين فبأي نعمة من نعم الله علينا نكذب ؟؟
ولا بشيء من نعمك يا ربنا نكذب فلك الحمد ولك الشكر ..
للتواصل
Alssedq@hotmail.com