2024
Adsense
مقالات صحفية

اقرضني ولا تزعجني!

خلفان بن ناصر الرواحي

إنَّ مما يؤسف له في عصرنا الحالي هو تفشي ظاهرة خطيرة، وانعكاسها سلبي على تماسك التكافل الأسري والمجتمعي على حدٍ سواء؛ ألا وهي ظاهرة الاقتراض دون الوفاء برد الدَّين في حينه، أو حتى على أقل تقدير الاعتذار من المقترض لتأخر المدين عن الوفاء بدينه، حيث أنه كما يعلم الجميع بأن مجتمعنا المحلي العُماني تسوده روح الشفقة والرحمة، ويتعاون على فك الكرب عن المحتاجين وأصحاب الظروف التي قد تمر على البعض، وينتقي كلٌّ منا الأقرب والأعز على نفسه والذي يحسن الظن به خيراً، وهذه شيمة من شيم الإنسان المسلم رجلاً كان أم امرأة في تعاضده مع أخيه وقرابته في الشدة والرخاء، فكما يقول عليه الصلاة والسلام: ((المسلم أخو المسلم لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته،ومن فرّجَ عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)).

فَلَو تمعنا في هذا الحديث الشريف من حيث الدلالة والبيان في فضل إعانة المسلم لأخيه المسلم، وتفريج الكرب عنه، وستر الزلات؛ لكفانا عبرة في الوفاء بأداء الحقوق والواجبات المتبادلة، وعدم التهاون في ردِّ الحقوق لأصحابها، فالمسلم يجب أن يتحلى بخصلة الوفاء، ومراعاة الأمانات كما وصفهم الله سبحانه وتعالى حيث يقول في سورة المؤمنون:{وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَٰنَٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ}.-آية ٨.

فالاشتغال بقضاء حوائج المسلمين، والوقوف معهم في الشدة والرخاء لإعانتهم لا يقوم بها إلا من امتلأ قلبه يقيناً بما عنده من فضل الله عليه، فربما هناك أشخاص ليس عندهم ما يعينون به غيرهم عند الحاجة، ولا يرغبون في رد الناس عند طلبهم المعونة لقضاء حاجتهم، حتى وإن كانوا هم أحوج من السائل، ويؤثرون غيرهم في ذلك من باب الشفقة وحسن الظن، حتى أنّ الغالبية لا يكتتبون بينهم ولا يشهدون أحداً بذلك الدَّين؛ وذلك ثقة منهم واستعطافاً بصاحب الحاجة، وطمعاً فيما وعد الله به عباده المحسنين، ويقيناً منهم بأن الجزاء من جنس العمل، إلا أن ذلك لا يكترث به البعض ممن غابت عنهم الذمم، وعميت بصيرتهم، وماتت لديهم الشيم، وضاعت عندهم الحقوق، وفقدت الثقة، وعمَّ صيتهم بين الناس فأصبحوا علماً يشار إليهم بالبنان لمن علم بهم، وكأنَّ لسان حالهم يقول ” اقرضني ولا تزعجني!”.

وفوق كل ذلك تجد البعض منهم يقوم بالبناء، أو شراء سيارة، أو تغيير أثاث المنزل، أو إقامة الحفلات، والسفر والرحلات، ولا يبالي بدينه المترتب عليه، وربما مرت على ذلك الدَّين السنوات وهو يعيش حياته الخاصة كما يحلو له في الإنفاق دون ردِّ الدَّين لأهله، وكلما ذكرته بذلك بسط لك الأسباب الواهية، وربما أعطاك الأمل للوفاء ولكن دون فائدة، ونسي بأن صاحب الحق قد سانده في محنته التي مر بها، وقد يكون أن عليه التزاماً للوفاء أيضاً، وحاجته ماسة لذلك المال الذي بيد المدين.

لقد نسي أمثال هؤلاء بأن ذلك التصرف هو نوع من الإتلاف لحقوق الناس، وربما ذلك يكون انعكاساً سلبياً على الآخرين أيضاً من حيث عدم الثقة في إقراضهم نتيجة تصرفات أمثال هؤلاء، وتصبح حينها مشكلة كبرى في المجتمع، ومؤثرة على التكافل الأسري والمجتمعي، وتزعزع الثقة، وقد يصيب أمثال هؤلاء إتلاف لنفوسهم، وإتلاف لأموالهم، أو نزع البركة منها؛ لسوء نيّتهم، وموت ضمائرهم، ويبقى عليهم الدَّين، ويعاقبون به يوم القيامة. فالحذر الحذر من الوقوع في مغبة هذا الأمر، ولننتبه لأنفسنا، وننبه غيرنا عليه.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights