المقاومة العمانية للوجود البرتغالي في الخليج العربي والمحيط الهندي (( ١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
أحمد بن علي المقبالي
الجزء الواحد والثلاثون: –
تناولنا فيه المعلومات الواردة عن التحرير العماني لساحل شرق أفريقيا وإزاحته للاحتلال البرتغالي عن المدن العربية الإسلامية العمانية هناك.
الجزء الثاني والثلاثون:-
سوف يكون مقالنا اليوم إن شاء الله تعالى عن أهم معارك الاسطول العماني التي خاضها ضد البرتغاليين في أفريقيا وهي معركة قلعة اليسوع.
– ممباسا ميناء مهم جداً على الساحل الشرقي لأفريقيا ويقع حالياً في دولة كينيا التي تعتبر ثاني المدن ضخامة بعد العاصمة الكينية وغالبية سكانها مسلمون. وقد زار هذه المدينة المستكشف البرتغالي فاسكودي جاما عام ١٤٩٨م واحتلها عام ١٥٠٠م وفعل البرتغاليون في السكان جرائم منكرة.
– قام البرتغاليون ببناء قلعة أطلقوا عليها اسم قلعة المسيح لأنها على شكل صليب وحصينة جداً وكان هدفها الأساسي السيطرة على التجارة والملاحة في المحيط الهندي ومحاربة عرب أفريقيا العمانيين. حبث تقع هذه القلعة في خلجان غير صالحة للملاحة وهذا ما يجعل حصارها أمراً شاقاً واحتلالها أمراً مستحيلاً.
– تعتبر معركة تحرير ممباسا من المعارك العالمية الكبرى والفاصلة ليس في أفريقيا فقط وإنما في المنطقة كلها لها ما قبلها وما بعدها من أحداث غيّرت مسار الكثير من مجريات الأحداث في أفريقيا والخليج العربي والفارسي والهند.
– عام ١٦٩٥م وصل وفد إلى مسقط يمثل ملك وأمراء وشيوخ القبائل في مدينة لامو يطلبون النجدة من الإمام سلطان بن سيف اليعربي وفي نفس العام أيضاً وصل وفد آخر من ممباسا يُعتبر من أكبر الوفود على الإطلاق وذلك بتشجيع من شخص اسمه الجماد رجوت البلوشي فأكرمهم الإمام ووعدهم ببذل الجهود الممكنة لتحريرهم من البرتغاليين.
– أرسل الإمام فرقة استخبارات إلى ممباسا للاستطلاع وجلب المعلومات بقيادة شهداد شت وفور وصول رجال الاستخبارات العمانية إلى الهدف تنكروا بملابس السكان وانخرطوا بينهم يعملون ويراقبون كل شاردة وواردة بدقة وبدأت الفرقة ترسل المعلومات المطلوبة والدقيقة عن التحصينات البرتغالية والتسليح والسكان وغيرها من المعلومات المهمة إلى الإمام.
– بناءً على التقارير الاستخباراتية الدقيقة التي تشير إلى أن السكان قد بلغوا أقصى درجات السخط والغضب من البرتغاليين وعليه فقد قرر الإمام إرسال أسطول حربي مكون من سبع سفن حربية ضخمة وعدد ثلاثمائة جندي بالإضافة إلى عشرة زوارق لاستخدامات مختلفة.
– عام ١٦٩٥م تلقى البرتغاليون هزيمة قاسية على يد الأسطول العماني في ميناء كنج الفارسي وكذلك الضربة الموجعة التي تلقوها في بارسلور ومانجالور مما أدى إلى رفع الروح المعنوية للمقاتلين العمانيين وحفّزهم ذلك لتحقيق المزيد من الانتصارات.
– في ١٤ سبتمبر عام ١٦٩٦م وافق ملك البرتغال على الإجراء الذي قام به نائبه في الهند بتاريخ ٢٦ نوفمبر ١٦٩٤م حيث تم توجيه القبطان جواو رود ريغر لياو بإرسال تعزيزات والمزيد من المساعدات إلى قلعة يسوع في ممباسا بعد ورود أنباء إليهم بالاستعدادات العمانية للهجوم عليها.
– بعد أن تلقى الأسطول البرتغالي الضربات الموجعة من الأسطول العماني في الهند وفارس وأفريقيا أخذ يحصن الحاميات المتبقية لديه في ممباسا وموزمبيق، أما العمانيون فإنهم أصبحوا مستعدين لخوض المعركة الكبرى والحاسمة كما أصبح البرتغاليون مستعدين للدفاع عن حصونهم.
– نلاحظ أن تلك الضربات القوية التي تلقاها البرتغاليون من الأسطول العماني أدت إلى تحول البرتغاليين من الهجوم المستمر إلى الدفاع المستمر مع الاستمرار بتلقي المزيد من الهزائم من الأسطول العماني.
– عام ١٦٩٦م تحرك الأسطول العماني يمخر عباب البحار إلى ممباسا ووصل لمينائها المسمى كلينديني في يوم ١٥ مارس وما أن عَلم البرتغاليون باقتراب الأسطول العماني حتى أسرعوا بتخزين المؤن في قلعة يسوع وتحصنوا فيها فأصبحت تؤويهم مع المتعاونين معهم من مسلمين وغيرهم.
– فور وصول سفن الأسطول العماني باشرت فوراً بدكّ التحصينات البرتغالية بالمدافع فهرب جميع البرتغاليين والمتعاونين معهم إلى القلعة فأصبحت تضم حوالي ٢٥٠٠ فرد من نساء ورجال وأطفال أما عدد البرتغاليين لا يتجاوز الخمسين جندياً.
– أصدر قائد القوات العمانية أوامره بالنزول إلى اليابسة بعد هروب الجنود البرتغاليين إلى القلعة فتم الاستيلاء على المدافع البرتغالية التي تركها الجنود واستمرت القوات العمانية بقصف القلعة بالمدافع ولكنها ظلت صامدة.
– اتبع العمانيون سياسة النفَس الطويل في حصار القلعة وذلك بسبب صعوبة اقتحامها والسيطرة عليها.
– في أغسطس ١٦٩٦م تلقى المتحصنون في القلعة إمدادات من موزمبيق ولكن الأسطول العماني بذل جهوداً جبارة لعدم وصول هذه الإمدادات إلى القلعة واشتبك مع سفن الإمدادات واستولى على عدد من القوارب.
– تحرك الإمام سيف بن سلطان الأول بنفسه لإمداد وتعزيز القوات العمانية في ممباسا وجمع رجالاً من باتا ولاموا ورفد بهم القوات الموجودة في كلينديني. وكان لوجود الإمام والقائد العام للقوات العمانية أثراً طيباً ورفع من الروح المعنوية للجنود وعندما قرر الإمام العودة إلى مسقط ترك قيادة الأسطول إلى القائد سعداد بن سعد البلوشي وعاد هو إلى عمان لإدارة شؤون البلاد.
– استطاع العمانيون إحكام الحصار على القلعة من البر والبحر لأنها تقع على لسان بحري ضيق وهو الذي يصلها بالبر وهذا الشريط يقع بالكامل تحت رحمة المدافع العمانية القوية.
– أدى إحكام الحصار من القوات العمانية إلى سوء شديد في أوضاع المحاصَرين ونقص كبير في المؤن وقد انتشرت الأمراض والأوبئة في القلعة وهو ما أدى إلى موت عدد كبير من المحاصَرين وعلى رأسهم قائد الحامية البرتغالية جاو رود ريغز وذلك في ٢٢ أكتوبر عام ١٦٩٦م.
– في نوفمبر ١٦٩٦م وبعد ثمانية أشهر من الحصار الشديد لم يبقَ في القلعة سوى: –
١- عشرون من أصل خمسين برتغالياً.
٢- خمسمائة من أصل ألفين وخمسمائة من المتعاونين.
– ونتيجة لهذا الوضع الإنساني عرض القائد العماني على المحاصرين الاستسلام بعد أن عرف بوضعهم المأساوي ولكنهم رفضوا أملاً في وصول تعزيزات من جوا أو موزمبيق.
– في ٢٢ نوفمبر ١٦٩٦م وصلت تعزيزات عمانية جديده للقوات العمانية مما رفع من معنويات الجنود وتدل هذه الإمدادات على الإصرار العماني لتحقيق الهدف المطلوب دون وجود أي نية للتراجع.
– في ديسمبر ١٦٩٦م استطاعت أربع سفن برتغالية قادمة من جوا تحمل ٧٠٠ جندي أن تشق طريقها بالقوة إلى القلعة والتي دخلتها عن طريق خليج صغير غير صالح للملاحة اسمه سان أنطونيو وأمدت المحاصَرين بالقليل من الذخيرة والغذاء وحوالي مائة مقاتل وبسبب قصف المدافع العمانية وتحرك الأسطول العماني للاشتباك معهم أدى إلى استعجالهم بالخروج بأقصر وقت ممكن بعد أن حملوا معهم بعض المحاصرين.
– استمر الحصار العماني بروية وهدوء ودون استعجال وبنفَس طويل وفي يناير ١٦٩٧م وصل عدد الأشخاص الذين يموتون يومياً من ثلاثة إلى أربعة أشخاص.
– في٢٠ يوليو ١٦٩٧م صباحاً شنت القوات العمانية هجوماً مباغتاً وقوياً على القلعة ولكن المدافعين تمكنوا من صدّ الهجوم.
– في ٢٣ نوفمبر عام ١٦٩٧م وصلت تعزيزات عمانية من باتا وكانت عبارة عن سبع سفن تحمل ما يقارب مائة رجل مما أدى إلى ارتفاع الروح المعنوية للقوات العمانية كما استمر العمانيون بشن الهجمات المفاجئة على القلعة بقصد إنهاك المدافعين وعدم إعطائهم أي فرصة للراحة.
– في ديسمبر ١٦٩٧م استطاع أسطول برتغالي قادم من موزمبيق إيصال بعض المساعدات من مؤن وذخائر إلى القلعة بعد اشتباكات عنيفة مع الأسطول العماني مما أدى إلى رفع الروح المعنوية للمحاصرين.
👈 ملاحظة: –
((كل الإمدادات البرتغالية للقلعة تتم أثناء الاشتباك مع الأسطول العماني وتكون سريعة وبعدد بسيط من الجنود والمؤن بعدها تنسحب السفن وهذا يعتبر جهداً غير مكتمل فهُم لم يتركوهم يستسلموا ولم يمدوهم بما يحتاجوه فعلاً وطبعاً لم يستطيعوا تجاوز الأسطول العماني ))
– عام ١٦٩٨م استمر الحصار العماني على ما هو عليه بنفس طويل وقبضة حديدية وفي نفس العام قرر نائب الملك البرتغالي في جوا الهندية إعداد حمله قوية لفك الحصار العماني عن ممباسا.
بدأت الحملة في التحرك باتجاه ممباسا ولكن طول المسافة جعل المشاركين في حالة إرهاق شديد ومعنويات محبطة وحماس بارد.
– في ديسمبر من سنة ١٦٩٨م وصلت تعزيزات مكونة من ٥٠٠ مقاتل إلى القوات العمانية في ممباسا.
– بعد أن توفرت جميع الظروف المواتية للقيام بشن هجوم نهائي وحاسم قرر العمانيون البدء بتحرير القلعة من البرتغاليين.
في المقال القادم إن شاء الله سوف نتابع باقي الأحداث المثيرة وهل نجح العمانيون فعلاً في تحرير القلعة؟
وإذا نجحوا أو لم ينجحوا ما هي الأحداث التالية؟
المصادر: –
– المقاومة العمانية للوجود البرتغالي
في الخليج العربي والمحيط الهندي
(( ١٥٠٧م – ١٦٩٨م ))
المؤلف: –
أحمد بن حميد التوبي
– اليعاربة أمجاد وبطولات
المؤلف: –
د. أيمن محمد عيد
– دولة اليعاربة
المؤلف: –
د. عائشة السيار