بين إعصار شاهين … وهبة وطن
حمد بن سعود الرمضاني
قصصٌ تروى وحكاياتٌ تكتب، برزتْ من قمع إعصار شاهين، كأنها من روايات الأحلام وسرد قصص ألف ليلة وليلة، بل كأنها من عبث الخيال المجنون، لكنها الحقيقة التي اكتوى بأزيز صوتها المرعب، وظلمتها الحالكة السواد، وانهمار أطنان من مياه المطر جملة على رؤوس الأهالي ومساكنهم، اقتلعت كل ما هو ساكن ومتحرك، وكل ما هو ثابت ومتعلق، رياح هوجاء وضجيج مياه مدمرة، حاصرت مناطق من شمال محافظة الباطنة الساكنة الوديعة باخضرار طبيعتها، وبسط سواحلها الممتدة على بحر عمان، الملتحف برداء زرقته الصافية ورماله الكلسية الطرية الناعمة.
إنها ليلةٌ تجمدتْ فيها العقول، ونزفتْ فيها الدموع، وتعذرتْ فيها الحيل، وألهثت الألسن بالدعاء، والقلوب باللطف والرجاء، بيوت هدمتْ وطمستْ بأكملها، ومزارع وارفة الظلال والأشجار مُسحتْ وانتزعتْ أشجارها من أعماق جذورها، وآلياتٌ اختفتْ بين ركام الرمال ووحل الطين المنحدر من منابت الجبال، اعتلى الناس قمم الجبال وعانقوا فروع الأشجار وتسمروا أسطح البيوت، هربا من طوفان جارف يتصاعد بوتيرة سريعة متسلقا الأمكنة؛ ليبتلع كل جسم يلامسه.
ويستمر هذا المشهد الدراماتيكي إلى إشراقة اليوم التالي، حيث انحسار شدّة الريح وهدأة الأمطار نوعا ما، إلا إن الأرض برمتا مغمورة بالمياة المضطربة الجارفة، ولا يزال المشهد المأساوي يطال المناطق المنكوبة، وينشر المآسي والرعب في قلوب الأهالي، ينبري ضوء الصباح، ويتنفس الكل بإمكانية وصول المساعدات، وفرق الإنقاذ، لإنتشال كلّ عالق في محيط الفيضان الهائج، وهدير المياه المسيطرة على كل شيء، يتحرك الجميع من فرق الطواري المشكلة من الجيش والشرطة والحرس السلطاني والفرق التطوعية، وغيرها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، معرضين أنفسهم للمخاطر، ومعداتهم لإنجراف السيول، واصِلين الليل بالنهار يدفعهم التفاني في تقديم الخير والثواب من رب العباد، لا فرق بين صغير وكبير، بين غني وفقير الكل هبّ لنداء الملهوف وخدمة المحتاج كلٌ حسب استطاعته.
عزائم ارتقت بنفسها إلى سلّم العلو وتسلقتْ مخاطر الموت والأذى في سبيل حب الخير وخدمة المحتاج ونداء الوطن، لحمة تكتلتْ لترفع المعانات عن أهلها وديارها ووطنها بامتداد المناطق التي مسحها إعصار شاهين المدمر بقوته وجبروته، ولكن تبقى العزائم المتقدة بالعطاء وتقديم الخير مشتعلة توقد قدرها المعطاء، لتطفئ عوز المحتاج وتلبي حاجة الملهوف وتقييم المعطوب وزرع الأرض التي مسحتها السيول وطمرها الطين والصخور، لتبقى هذه الأرض المباركة عزيزة بتكاتف أهلها ووحدة تعاونها، والتفاني من أجل خدمتها والعلو من شأنها.