2024
Adsense
مقالات صحفية

اللعبة التي ابتكرتها عندما كنت طفلًا

أحمد بن سليم الحراصي

ما أجمل تلك الأيام التي عشناها ونحن صغارا، نتجمع لنشكل فريقا، ليس المهم أن نكون أقوى أم أضعف، المهم هو فقط أن نستمتع ونلهو، نلعب أية لعبة تعلمناها، تكفينا أبسط الألعاب وتأخذ جل أوقاتنا، أبسط الألعاب كانت تغمرنا بسعادة عارمة وتُنسينا من حولنا مَن الناس وما حولنا من الأشياء، كانت كل الأشياء حولنا ألعابا أو أننا حولناها إلى ألعابٍ، الحجارة، التراب، ومخلفات البيئة من أوراق وأعواد الشجر الصغيرة، كلها كانت بالنسبة لنا لعبة، لعبةٌ وأكاد أجزم أننا اتقنَّاها وأتقنَّى كل الألعاب التي لم ولن تكن حاضرة اليوم وغدا، لن يلعبها أطفال اليوم لأنهم أصبحوا منهمكين في عصر الحداثة وغزت ألعاب الكمبيوتر والهواتف الذكية عقولهم وقضت على كل الألعاب التقليدية التي اعتادها جيل الألفية الأولى.

لم تكن الحياة بالنسبة لنا سوى لعبة أو أنها تلك اللعبة التي اعتدنا لعبها والاستمتاع بها وأنني أُمثلها وأراها بحق في قصيدة الرحيل للمتنبي عندما قال (وما انتفاع أخي الدنيا بناظره، إذا استوت عنده الأنوار والظلم)، هكذا نحن عندما كنا أطفالا، كانت لا تهمنا الحياة، لا يهمنا التمييز بين الشيء ونقيضه، كانت الحياة نعيشها هكذا دون تمييز لم نعرفها على أنها نور أم ظلام، حقيقة أم خيال، وكانت خالية من الضجيج، ودون تعكير صفو المزاج، وتقلبات الدنيا، لم تكن هناك أعمالٌ ننجزها وإن كانت ستكون بلا شك هي من فعل جبروت الكبار، ولكننا سرعان ما ننسحب ونهرب للملاذ الوحيد وهي اللعبة التي صارت الإدمان، أعني بالإدمان هنا هو أن تنتشي الواقع، وتعتبر الحياة وكأنها صالة ألعاب، وتتصور أنك مخلوقٌ لتلعب وتراودك الأحلام والكوابيس في امتلاك كماً هائلا من هذه الألعاب في آن قريب.

وكغيري من الأطفال الذين يرون من الألعاب شغفهم وعملهم الدائم، كنت ألعب ولكن كانت الألعاب تُشبع ميولي ولا أدمنها كمن يدمن (غرشته) التي يحتسيها ليل نهار، ربما هي سجيتي التي تعوّدت عليها فلا أميل إلى الروتين المتكرر كثيراً بل أحاول تغيير شيء يجعل من الحياة تنبض، شيء يجعل للحياة معنىً، شيء لن يصل أحدٌ له قبل أن أصل أنا أولهم، فكما يفعل مطوري اللعب الآن في الهواتف من تحديثات جديدة كل شهرٍ لإضافة بعض الميزات التي من شأنها أن تُطور اللعبة وتكسب ثقة اللاعبين ولتجنب خسارتهم من جانب آخر أيضا، ودائما ما يتّبعون أسلوب المفاجآت لمزيد من التشويق والإثارة، لذا رأيتُ أنه من المناسب البحث عن الجديد أو عن البديل أو عن التطوير كأقل تقدير.

رأيتُ أنه من الأصلح أن نضيف لعبة يُمكننا لعبها ولكسر بعض من الملل الذي بات يُضيق الخناق علينا، كانت اللعبة بسيطة جدا وسهلة ورائعة للأطفال أيضا، كانت عبارة عن حجارة صغيرة تُمثل (جنودا)، وحجرٌ كبير يُمثل (رصاصة)، إنها لعبة حربية شبيهة بالمعارك التي نشاهدها في كثير من المسلسلات التاريخية عندما يلتقي جيشان، جيشٌ على اليمين وجيشٌ آخرٌ على اليسار، هكذا كانت اللعبة التي ابتكرتها كما يرسمها ذهنك الآن، كان الجيش يُمثل الحجارة الصغيرة التي غالبا ما يكون عددها متساوٍ مع جيش الخصم، يقوم فيها كل شخص بصف جيشه (الحجارة) حسب ما يراه مناسبا، في أي مكان من الساحة التي لن تتجاوز حدها المتفق عليه، ثم يبدأ أحد اللاعبيَّن برمي الحجر الكبير (الرصاصة) لإصابة الحجر الصغير (جيش الخصم), وكل لاعب يسعى للتخلص من حجارة خصمه الصغيرة برميها بالحجر الكبير شرط أن يكون اللعب بالتناوب بين الخصمين؛ كأن يرمي الأول فإن أصاب، يُعيد الكرة مرة أخرى وإن أخطأ يُسلم الحجر لخصمه ليقوم برد معاكس بضرب جيشه هو الآخر إلى نهاية اللعبة بانتصار أحد الفريقين وهو الذي استطاع التخلص أولا من حجارة خصمه.

قد تبدو اللعبة لكم (سخيفة) وربما قد يقول بعضكم أنها (مهزلة)؛ لأننا كبارا بما فيه الكفاية وفهمنا الحياة وتعلمنا منها الكثير ما بين الجد والهزل وما بين الفرح والترح ، لكنها لعبةٌ أعجبت الصغار الذين علمتها لهم وصرنا نلعبها بين حينٍ وآخر، هذه الألعاب التي كنا نلعبها ونحن صغارا وكانت تُسكتنا ونلهو بها وتُشغلنا عن الكثير من هراءات الكبار وأعمالهم التي يشغلوننا بها التي لا تحتملها أيدينا الصغيرة ولا تستسيغها نفوسنا، وتجعلنا نتغاضى عن الكثير من الأشياء، حتى المال صار لا يعني شيئا لنا، لا يساوي شيئا أمام هذه الألعاب، فعندما تقول لي أدفع لك مبلغا هائلا للكف عن هذه (التفاهة)، سأقول لك (لا) فقط دون غيرها، فالمال ليس إلا مجرد ورقة لن تصمد طويلا قبل أن تمزقها يداي ، فما الذي يريده طفلٌ من مال؟ غير ان تدعه يلعب وشأنه وتذهب إلى حال سبيلك، فهل تراني كنت ذكيا في رفض المال أم كنت مبدعا في ابتكار هذه اللعبة إن صح التعبير؟!.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights