في كلمة لا بُّد منها
شهاب أحمد عبد
أرجو من القارئ أن لا يفهم من قولي هذا أنني أبغي أن نترك العامة يفعلون في عقائدهم الدينية ما يشتهون دون أن نحاول اصلاحهم. فإن الحقيقة التي نبغيها هنا في الواقع تكمن أن الإصلاح الديني في مثل تلك الأوضاع و الظروف التي شهدناها في الوطن العربي ضروريا . ولكن في الوقت ذاته يكون الإصلاح مهمة صعبة فلا يجوز أن يؤمن المُصلح بفكرة مجرَّدة تخالج ذهنه فيتحمس لها ويحاول إرغام الناس على اتباعها بحد السيف. لذلك تجد أن الإصلاح الديني كغيره من أنواع الإصلاح الاجتماعي فن له أصول وقواعد، ويجب أن يسير فيها على أساس من العلم الرصين، فليس هنالك مجالٌ للبحث في قواعد الإصلاح الديني . وقد يكفي في هذه المناسبة أن نقول أن هناك على الأقل ثلاثة شروط يجب أن تتوافر في الإصلاح.
أولا : إن الإصلاح يجب أن ينبعث من الداخل، ولا يجوز أن يأتي من الخارج، وأعني بذلك أن الطائفة الدينية التي يراد إصلاحها ينبغي أن تهتم بنفسها أولآ و ذلك بإصلاح عيوبها . وهنا ينبغي أن نذكر أن لا ننسى شيء من المشاكل التي ابتلينا بها في الوطن العربي و تمثلت في أن كل طائفة فيها اعتادت النظر في عيوب غيرها، وتنسى عيوبها . وقد آن الأوان الآن لكي نترك هذه العادة فنجتهد على إصلاح أنفسنا قبل النظر في إصلاح الآخرين . لذلك تجد أن الإصلاح الذي ينبعث من داخل الطائفـة، وهو بطبيعته أكثر نفعاً وأقل ضررا مـن الإصلاح الذي يأتي من الخارج . وكثيرا ما يؤدي الإصلاح الآتي من الخارج إلى إثارة الأحقـاد والخصومات بين الطوائف وإلى جعل كل طائفة تزداد تعصبا لعقائدها العتيقة.
ثانيا : إن الذي يحاول الإصلاح يجب أن يتجنب فيها طريقة الإرغام والاعتداء على الناس، بل عليه أن يتبع معهم طريقة الرحمة والمجادلة بالحسنى . وهذه هي الطريقة التي أمر بها الإسلام والتي تمثلت في قول (وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن … ) فالواقع هنا يتكون في مدارات العواطف البشرية التي هي أفضل طريقة للتأثير في الناس ولجذبهم نحو عقيدة ما . أما الإرغام في سبيل العقيدة فهو ينفر الناس منها بدلًا من جذبهم إليها. وقد حدثنا التاريخ عن كثير من العقائد أنهـا انتشرت بين الناس من جراء ما وقع عليهـم من اضطهاد وقسوة في سبيلها.
لذلك يلزم الإصلاح، أن تراعي فيه مقتضيات المجتمع وظروفه و ظواهره الاجتماعية أكثر مما هي مجرد أفكار مجرَّدة . وقد أخطاً الكثير من المفكرون القدماء حين ظنوا بأن الإنسان حيوان عاقل؛ فالواقع أن الإنسان حيوان اجتماعي وهو يسير في مختلف أنماط سلوكه وتفكيره حسبما تملي عليه ظروفه الاجتماعية والنفسية . أما العقل الفردي فليس سـوى صنيعة من صنائع المجتمع ومظهر من مظاهر الثقافة السائدة فيه .