إنه وطني عمان
مياء الصوافية
تدور عجلة الزمان، وأرض وطني تقلّب صفحات ضيائها الأبدي بأناملها الحكيمةِ المُتَرَوِّيَةِ مُعْلِنَةً ديمومة العطاء، وما فتأتْ تجود بعطائها الفيّاض من أَيَادٍ يَدُبُّ في شَرَاينِها دم من ضُروب دماء الأجداد، هذه الدماء التي تُقَلِّبُ الأرض؛ لتزهر الغِراس فَتِيَّةً مُضَحِّيَةً، ويتجدد معها عنفوان الدماء الذي يستجدي من الشمس عزته فلا يركع، ولا يذل.
ما وطني إلا شعب تلاحم لُحْمَةً واحدةً كأنهم البنيان المرصوص يرمم بعضه بعضا، ويشق لبعضه آمالاً رحبة عندما تنطفىء عنه تطلعات الرجاء، وتُرْشُقُهُ شَرَرُ العناء، وتُسَدُّ في مساعيه دروبُ الهناء.
وإنهم ليأخذون بعضهم بعضاً إلى سُبُلِ بعد العسر يسراً، وبعد الشتات أُلْفَةٌ، ويزرعون في نفوسهم محبة البقاء والصمود بتعاضدهم الذي يمتد فيهم وبهم، كامتداد الاخضرار في الحقول المترامية، وتخصب بفعالهم حدود الوطن طهراً وقداسة وإباءاً.
إنه لشعب يَسْكُبُ في كؤوس إخوانه أنوار الوفاء؛ ذلك إنْ تلاشتْ حيلتهم، وغدوا يجيلون نظرهم بحثاً عن متنفس. فهذا الشعب معطاء كأشد ما يكون العطاء، كسنبلة حملت سبع سنابل يتولد الخير فيه، ومنه كمثل ما يتولد العرفان من القلوب الوفية، والرياحين من الأزهار البهية؛ ليعمّ كل نفس عاشت تحت سماء وطنه، وتفيأت بظلاله، وعظّمت حدوده، ورابطت على كَنَفِ حمايته.
ما وطني لشعبه إلا بمثابة الجسد للروح؛ فهو الجسد الذي يحمي الأرواح من البلاء- بإذن الله تعالى – بلاء الخوف والجوع، وإنه ليربو بعطائه من الأنفس والثمرات والأموال؛ فلا يخاف من كان تحت ظله إن عبست أيامه، وتعاركت على ساحاته المحن.
وطني في جوده كبحر مُتَرام الأرجاء خلف أفق واسع ،لا يبخل بعطائه ؛ فالكل يبحر في صفحات مائه، ومروج أرضه فينهل الخير منه أسفاراً عظيمة، ومحامل ينوء عن حملها العصبة من الرجال، والكل يقتات من فضل أرضه وإرثه، فيجعلهم ممتنين له امتناناً أصيلاً تتغذى به قلوبهم ارتباطا، وبكل إنسان حمل هويته هذا الارتباط الذي لا تهلكه عقارب الساعات، ولا تُصَغِّرُه مسافات البعد.
المواطن في وطني هو من يحمل هوية الوطن عزيزة مفدّاة، هو من لا يماري على اسم بلده أحداً، ويَعِزُّ عليه أنْ تلين قَنَاتُه، ولا يشعر بالانتماء إلا إليه.
الوطن لديه هو لغة الموروث المحتفظ بأصالته؛ فلا نراه يقحم جسده في إرث غيره.
ما وطني إلا هوية مخبأة في كل ذرة من روح، ودم كل عماني عرف من عمان.
وهو فأس الأجداد تحت ظل نخلة شامخة، وترس يدور في مصنع لما انتجته أرضه، هو نشيد يتعالى الهتاف به في ساحات هويته شموخاً وإباءاً، تردده ذرى جباله السحيقة التي عايشت عزته، وهو هندسة تخطيطية لبناء حياة متواصلة تحفظ روح الإنسان العماني خلفاً من بعد سلف، وما هو إلا مجهر يرصد تشابك الأشياء فَيُعَدِّلَها؛ فتحيا صحيحة، و صائبة، وهو ركب يسير خلف قائده؛ تأييداً وموافقة.
بوركت أمجادك يا وطني، وبورك من أغلاك وسعى لرفعة شأنك، وطيب الله ثرى باني عزتك وأسطورتك مولانا – قابوس بن سعيد-المعظم الذي ضم ثغورك تحت سلطة جَذْرِكَ.
بوركت تلك الهمم التي رابطت على حماك ترد عنك غوائلكَ، وتتنفس مروءتك في كل حجر ومَدَرٍ منك في حَصْبَاء واديك وجبالك.
وجبر الله نفوسنا المحزونة واختلال شعورنا، وضَنْكَ قلوبنا مما أصابكِ، وأصلح الله شأن من ساءتْ بهم الأحوال وأعاد إليهم جمال المَرابِعِ ورحابة المَراتِعِ إنه الجابر القادر.