تفاصيل الزمن
خلفان بن ناصر الرواحي
نعيشُ مع الزمن وثمّة تفاصيل من حياتنا مُخبأةٌ لا تضيع في زحام الذّاكرة التي نختزنها في أرواحنا، بحلوها ومُرّها، وصمتها وحركتها.
فمن الذكريات ما تبقى صامتة بين العقل والقلب، وقد تحركها بعض المشاعر في ساعة الخلوة ونتذكر بعضاً منها، وتمتزج مع حاضرنا ومستقبلنا المجهول، وإنّ سِحر الذاكرة وعبقريتها المتفردة قد تجدها في كثير من الأحيان صعبة الإرضاء للسكون أو النسيان، وتجبرنا على بقائها رغم قساوتها علينا في كثيرٍ من الأحيان، فهي متقلبة وغير مأمونة العواقب، ومع ذلك تبقى ذاكرتنا متمسكة وبإصرارٍ شديد بالذكريات مهما كلفنا الأمر.
وهكذا يتعاقب علينا المَلَوان، ولم يعد النسيَان مُمكناً، فالذكريات ما زالت تنهال علينا ومُكدّسة، وتصرُّ على مكوثها مهما طال الزمن، فأحياناً ترفض عقولنا إبقاء ذكريات لأشياء عظيمة وفاضلة، في حين تطبع صوراً واضحة لأشياء صغيرة وتافهة، وليس لها قيمة حقيقية، ويجب مسحها من شريط الذكريات، ولكنها تأبى إلا المكوث.
نشعر أحياناً وكأنَّ للذّكريات تجاعيداً، تماماً كالسّنين، لكنّها تسكن الأرواح لا الوجُوه، وتمرّ السنون والأعوام ويترهل الجسم معها، وتظهر التجاعيد على وجوهنا بعلاماته المتعرّجة بخطوط الزمن، وصراع الذكريات، وتعب الحياة والمصابرة على تقلبات الأحداث.
ويمضي بنا الزمان بمفرداته وتفاصيله الدقيقة؛ لتدقّ أجراس الوداع معلنةً الرحيل، فنمضي تاركين خلفنا لحظات جميلة؛ لتبقى ذكرى تُكتب على سطور النسيان، فنعود بأفكارنا تارةً لشريط زماننا، ونفتش بين ثنايا البراءة والضحكات عن لمسات سعادتنا، وتأخذنا الأحاسيس إلى أحلامنا المنتظرة في قاموس العقل الباطن وإشارات التفاؤل والأمل، فنرى الثواني تمضي كسرعة البرق من أمامنا، وما تزال نفس المشاعر قابعة بأرواحنا، ودفاترنا ما زالت مملوءة برسم ملامح لحظات طفولتنا، وما زالت تحوي دفء حكاياتنا الممزوجة بالحزن والفرح، ونشعر حينها أنّنا لا نعرف القيمة الحقيقيّة للحظات العمر إلى أن يغيب في أعماق الذاكرة، وتصبح جزءًا من تفاصيل الزمن.