هل لديك رسالة في حياتك؟
صالح بن محمد خير الكعود – باحث وطالب دكتوراه في تنمية الموارد البشرية
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا
خلق الله الإنسان لعمارة تلأرض وجعله خليفته فيها، وسخّر له ما في السموات والأرض جميعاً منه لأداء هذه المهمة العظيمة، بل وأكثر من ذلك، جعل الله الإنسان أفضل مخلوقاته، خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وطرد أحد عباده من رحمته وهو إبليس لرفضه السجود له، وأكرمه بالعلم، كل ذلك لقبوله حمل الأمانة وأداء الرسالة التي كُلّف بها، فتأمل معي هذا التكريم الإلهي لبني البشر.
كان للأنبياء رسالتهم بالدعوة لتوحيد الإله وهداية الشعوب، ونشر الفضيلة والنهوض بالبشرية، فآمن كثير من الناس وصدقّوا رسالات الأنبياء وقاموا بدورهم أيضاً في صلاح البشرية.
قد تفهم مثلي أن الرسالة يحملها فقط مختارون من الله يبلّغون بها الناس بوجود الله، ولكن الأمر أشمل من ذلك، أنت أيضاً رسول يحيا في هذا العالم وفي صدره رسالة، ورسالتك أن تقوم بدورك كخليفة الله في أرضه، وربما كانت رسالات الناس لتعرّف البشرية عن صفات الخالق سبحانه جلّ في عُلاه كلّ بحسب موقعه وحسب مقدرته ومؤهلاته ومهنته، فالقاضي رسول ورسالته تبلّغ باسم الله العدل، والمعلم رسول ورسالته تبلغ باسم الله الهادي، والطبيب يبلغ باسم الله الشافي، والفنان يبلغ باسم الله البديع، والمهندس والعامل والأب والإبن وهكذا، كلّ دور في الحياة يحمل في طياته من الله رسالة، فاعرف رسالتك.
كان لنا في عصرنا الحديث ملهمين أدّوا رسائلهم الإنسانية ابتداءً من مجتمعاتهم، فكانوا منارات يُهتدى بها، وقدوات نُلهم منهم المبادئ والقيَم والمُثل العليا.
في بلادنا العربية نجد الكثير من الأمثلة كالدكتور عبدالرحمن السميط، الطبيب الكويتي الذي قضى حياته بين أدغال أفريقيا يدعو إلى التوحيد ويقوم بالأعمال الإنسانية وينشر العلم ويبني دُور التعليم، رغم مرضه وكبر سنّه، فاهتدى إلى التوحيد آلاف الأفارقة، بل وقرىً بأكملها بجهد رجل صادق.
وفي البلاد الأخرى نجد ملهمين مثل المهاتما غاندي الذي قضى حياته يحلم أن تشبع البطون الجائعة في الهند مسقط رأسه بثورة سلمية راقية، وأمضى نيسلون منديلا 25 عاماً في السجون يحلم أن يكون البِيض والسود في بلاده متساوون في الحقوق، وقضى مارتن لوثر عمره وهو يأمل أن يعيش أولاده بكامل حقوقهم، وأن لا يعامَلوا على أساس لونهم الأسمر.
قيل سابقاً “قل لي من تصاحب أقل لك من أنت”، وكان من الأحرى أن نقول قل ما هي رسالتك في الحياة أقل لك من أنت.
إنّ قيمة الإنسان تكمن في قيمة الرسالة التي يحملها.
يجب أن يكون للإنسان رسالة في حياته، تعبّر عن عميق تطلّعاته وأعظم أمنياته، إنّها الطاقة التي تدفعك كل يوم لأن تتحرك وتعمل بسعادة غامرة، ابحث عن الأشياء التي تجعلك سعيداً عند فِعلها، هي على الأغلب تعبّر عن المجال الذي يجب أن تدور رسالتك حوله.
اسأل نفسك ما الذي أريده في هذه الحياة؟ مالذي أريد أن يذكرني الناس به بعد رحيلي؟ فخلودك مرتبط بخلود رسالتك واستمرارها، دوّن الإجابة على هذه الأسئلة وسوف تكتشف شيئاً فشيئاً ما هي غايتك في هذه الحياة، غالباً سوف تُثار مشاعرك عندما تقترب من الإجابة الصحيحة.
إنّ التخطيط على مستوى الأفراد والمؤسسات على قدر من الأهمية بحيث لا يمكن تجاهلها ولا الاستغناء عنها بحال من الأحوال، ولكن لا يمكن لأيّ منّا أن يؤدي وظيفة التخطيط دون أن يكتشف رسالته الشخصية في الحياة.
تُعد رسالتك الشخصية بمثابة الدستور الذي على أساسه تتخذ كل القرارات في حياتك، والأشخاص ذوي الفعالية العالية يرسمون ملامح مستقبلهم بدلاً من أن يسمحوا للاّخرين تحديد هذا المستقبل.
إن الأشخاص الفعّالين يحددون الأثر الذي يريدون تركه في كل دور من أدوارهم الأساسية في الحياة.
من شأن رسالتك في الحياة أن تضفي قيمة سامية إلى أهدافك، وتزوّدك بالاتجاه والغاية، وتشكّل مصدر تحدٍّ وإلهام لك في مسيرة حياتك، وتحدد أهم أدوارك ومسوؤلياتك، وتعبّر عن أفضل مابداخلك.
تذكّر أن لا أحد يستطيع أن يعود إلى الوراء ويصنع بداية جديدة، ولكن كل واحد منّا يستطيع أن يبدأ الآن ويصنع مستقبلاً جديداً برسالة واضحة وأهداف محددة.
اجعل كل أهدافك تقف وراء رسالتك لكي تعيش سعيداً، فليس النجاح هو من يؤدي إلى السعادة، لكن السعادة هي طريق يبدأ عندما تكتشف رسالتك وتمارسها كل يوم وتستمر حتى ترحل عن هذه الدنيا.