إلى حيث تمضي
طه جمعه الشرنوبي – مصر
إلى حيث تمضي وأنت يقتلك الحنين، وتتسلل إلى وريدك تلك الوحشَة والاغتراب، إلى حيثُ تمد يدك إلى معطفك، لتتصفح عُلبة الثّقاب وبداخلها الرسالة الورقية التي تركتها لك إحداهن على طاولة المقهى.
إلى حيث تمضي، إلى قول كلمة ترددت مرارًا في قولها ويخذلك صوتك، وتعود مرة أُخرى حاملًا ترددك على عاتقك طول المسافة التي قطعتها لقول تلك الكلمة؛ إلى حيث تمضي وألف مرة أخرى تنتظرك وألف مسافة فيك تمتد.
إلى حيث تمضي وكل ما تعلّقت بهِ روحك كان هشًّا، سقط منك في أروقة المدينة، في لُجّة الهاوية التي لا قرار لها، ثم أنت لا تَنسى، تَلُوُذ بالبحثِ عنه على الناصية، وعند بائع الورد، وعلى أثر خُطاك، وفي أغنية، وفي التفاصيل، وفي الثقوب التي تسلل منها إلى قلبك حتى أصبح نايًا.
إلى حيث تمضي وشغفك بالحياة أصبح نائمًا مؤرقًا في صدرك، وذبُلت تلك الورود في قلبك، وانطفأت مشاعرك، فأصبحت ثقيلًا، تستقبل مشاعر الحزن التي تمشي إليك تتسكع على أرصفة قلبك دون حراك أو مقاومة كضحايا مُنتصف ليل ديسمبر.
كهولاء الذين فتحوا خلالهم نوافذ وثقوب تسلل منها هؤلاء العابرين كاللصوص ليسرقوا هدوء قلوبهم دون إذن.
إلى حيث تمضي وأنت تنتظر إجابات من قلبك على تساؤلاتك، عن أثر الهالات السوداء تحت عينيك، وعن إيمان قلبك بدين لا نبي له، وعن كل معجزة أحدثتها إحداهن فيك تتسلل بمفردها إلى سراديب الجحيم.
ستدرك مرة أنه لا جدوى من الصمت، كلما نظرت إلى المرآة تسأل نفسك عن كل الأسئلة التي تسببت في تلك الهالات السوداء تحت عينيك، شحوب وجهك المؤرق، خمول وريدك في مِعصمك.
لكن لا أحد يستطيع سؤالك عنها، لا أحد يجرؤ على الغور في معركةٍ أكبر انتصارك فيها أنك حيٌّ الآن، تبدو حيًا عائدًا من المعركة وحيدًا، خسرت فيها كل شيء وعدت حاملًا كل تقاليد الحرب.
لكن قلبك لن يسأل كيف يمكن لرجل مثلك يقف وحده على حافة الجحيم كلما راوده اللهب أن يسقط فتمسك به يدُ امرأة، فتتهاوى كل التساؤلات حينئذ.!
عليك أن تتذكر دائمًا أن الهواء لن يكون رحيمًا إذا أصبحت ورقة جريدة بتاريخ قديم، لم يصلك الموت ولن تعود لك الحياة.