روح عائدة للحياة
غزلان البلوشي
تعمل وتجهد ومهما قدمت من جهد كبير في الحياة ولا تجد من يقدر مجهوداتك وأنك لا تُرى بالعين المجردة أمام بعض المحبطين في حياتك، غير أن عملك الذي قدمته للآخرين له أثر في قلوبهم، قد يكون هذا سبب يجعلك في الاستمرار، يشعرك أنك إنسان لا تظن أنك في غيابة الجُب وإنما يوجد من يرى ما تقدمه للغير، لا أطيل عليكم في حديثي.
في أحد الأيام عندما كنت أتحدث مع مسؤولتي ، سمعت صوت امرأة تناديني من آخر الممر ،ومعها فتاة بعمر الزهور وتبدو لي أنها في السابعة أو الثامنة عشر من عمرها، كانت ملامح الأم تبدو عليها السعادة والسرور وتقول لي أنها عرفت صوتي من بعيد، قد يكون محرجا إذ أن أحيانا صوتنا يعلو من دون قصد منا، ولكن أجدها لو لم تسمع صوتي لما عرفت قصتها معي. واستغربت منها عندما اقتربت مني واحتضنتني بقوة كأنها لها اشتياق من شخص لم تره مذ زمن بعيد ولها من الحب والمعزة وكل الكلمات التي تربطهما معا، لم أجد نفسي إلا أن دموعي تنهمر مني قد يسأل البعض لماذا الدموع؟ قد تكون ليس لها داعٍ، ولكن شعرت بشعور غريب جدا ،إذ قد يكون بسبب وراء هذه المشاعر الجياشة غرابة، ولست وحدي وإنما هي الأخرى تبكي وتقول لي أنتِ غيَّرتِ حياتي، لأكون صريحة مع نفسي ليس لديَّ أي فكرة عن الموقف الذي جمعني معها، ولكن الظاهر يقول أنني قمت بعمل يجعلها أولا تذكُرني، وفي نفس الوقت قدَّرت العمل الذي قدمته لها لكي تقوم باحتضاني بهذه القوة والاشتياق.
وهذا ما جعلني في استغراب شديد، ولكن سرعان ما أزالت استغرابي وتعجبي، وأشاحت ناظريها إلى الفتاة التي ترتدي ثياب المدرسة، لتقول لي إذا كنت اتذكرها أم لا، وهذه نقطة ضعفي الشديدة ، إذ أني لا أتذكر الشخصيات والوجوه التي تمر في حياتي ، فقد يصعب عليَّ تذكر كل من أراه في العمل أو من موقف.
أضافت قائلة هذه الفتاة لها قصة معك يا غزلان وهي عندما كانت بعمر ثمانية أشهر كنت أحملها مسرعة إليكم في قسم الطوارئ فقد وجدتُ ابنتي لا تتحرك ولا تتنفس وقد ازِّرَقَ وجهها، لقد كنت في حالة ذعر وخوف شديد من فقدان ابنتي ، لقد شعرت نفسي سأجن من وضعي وما وجدت إلا الطبيب وكنتِ أنتِ التي استلمتِ ابنتي وعندما نظر إليها الطبيب، قال إن ابنتي قد فارقت الحياة، صعقت من الخبر ولا أعلم ماذا أفعل بحالي فقد وجدت نفسي في حالة هستيريا، الخبر أفقدني صوابي لدرجة الجنون ولكن وسط زحمة مشاعري وجدتك وأنتِ تسرعي بعمل الإنعاش القلبي الرئوي لها من دون توقف إلى أن سمعتك تصرخي بصوت أعاد لي الأمل عندما قلتِ لطبيبك أن الطفلة تتنفس وعاد قلبها إلى الحياة، فأسرع الطبيب بالاتصال ليتواصل مع طبيب الأطفال ليُكمل إجراءاته معها لقد جلستُ مع ابنتي وأنا في قمة السعادة ، فقد رجع روح ابنتي بفضل الله ثم بفضل جهودكِ عاشت، والآن أصبح عمرها سبعة عشر سنة.
لم أكن أعلم أني عنيدة في تقبل الواقع، وعليَّ أن أعمل جاهدة لعليِّ أغير مسار الأمور ، وقد بدا لي أنه لم يحن أوانها، و ما تزال الحياة أمامها ، علمتُ من قصة الطفلة التي واجهت الموت ، أن لا تستسلم لأي أمر تواجهه مهما كانت صعوبته، مما جعلني أن أشكر نِعَمْ الله عليَّ، العلم والإصرار والمحاولة، كل هذه الأمور التي تجعل الإنسان يتميز عن البقية، تاركا الأثر أينما ذهب، وتأتي بصمتك ولو طال عليها الزمان ، وهذا ما وجدته اليوم،إذ هذه لم تكن القصة الوحيدة التي يذكروني بها وهي مشابهة بقيامي للإنعاش القلبي الرئوي.
اللحظة التي تذكرتُ موقفي معها ومع طفلتها ، تاثرتُ بها كثيرا، وهذا الذي جعلني أركز على موضوع الإنعاش القلبي الرئوي بشكل كبير، قد لا يجدي إذا تم تأخير تطبيقه بحالة وقوف القلب والتنفس، ولكن أجد أن تعلم هذه المهارة تنقذ أرواحا كثيرة أينما كنت . وهذا تركيزي في حياتي أن أُعلم كل فرد من أفراد المجتمع، صغيرا كان أو كبيرا في العمر, يكون في استعداد لأي حالة تواجهه في موقف مشابها.
يا أيها الإنسان، اجتهد واعمل وحدد أهدافك وركز بعملك باتقان، ستجد حصيلة عملك يوما ما ، لا تجلس ملوما على ما تواجهه من صعوبات وتستسلم بالأمور ، تمر بك الأيام وتلوم نفسك أنك بعد ذلك بعدم المحاولة، و لا تحسر نفسك في دائرة مغلقة، انطلق إلى واقعك، واجه حياتك بكل شجاعة، عملي قد يكون صعبا ، إذ نجد ما يُحبطنا ويُقلِّب مزاجنا، ولكن قصة الطفلة أعادت السعادة لي وجعلتني ابتسم بتفاؤل.