2024
Adsense
مقالات صحفية

يوم جديد

مياء الصوافية

ما أشدَ امتنانِي لخالقي!
فقد أنعمَ عليَّ بيومٍ جديدٍ، يومٌ بإمكاني أنْ أغيّرَ فيه صَفحاتِي التي أوشَكَ أن يَضْرِبَ سَوادُها بَياضَها، وشتاؤها المُرْتعشُ ربيعَها العنْفُوانِيَّ.
في يومي الجديدِ سأغيرُ الأَسْوأَ إلى الأحسنِ، والمُشِينَ إلى المُسْتَمْلَحِ الذي عُلِّقَ بِطُهْرِ المحاريبِ. هذا التغيرُ الذي يُشْبهُ فجراً يخرجُ من دَيْجُورِ الظلامِ باسطاً رِدَاءَه على الكونِ نقاءاً ونوراً، والذي يأخذُ النفوسَ إلى أماني الجناتِ، وبهجةِ الأحلام القَابِعةِ في الزوايا المُنتظَرَةِ، وإنه في جمالِ تحوِّلِه يُحاكي دُرّاً ساقه غواصٌ من ظلمةِ البحارِ إلى جِيْدِ الحِسانِ في القصورِ المُنِيْفاتِ.
بإمكاني أنْ أرسمَ محاريبَ العبادةِ على دقائقِ نهارِه، وأسحارِ لياليهِ، وعلى يَدٍ تعلو بالصدقاتِ، والعونِ الأَثِيْرِيِّ تدفعُها إلى ذلك الأخُوَّةُ الدافئة.
بإمكاني في يومي هذا أنْ أبسطَ رداءَ العبادةِ بسجداتِ امتنانٍ أُوَشِّيها بنوافلِ الركعاتِ كما تُوَشِّي النجومُ زرقةَ السماءِ الممتدةِ إلى نواحي الكونِ المترامي، وكما يُوَشِّي المطرُ الغزيرُ المتواصلُ الساحات بِبِرَكِ الماء ويطرزها بجداولِ الفرحِ؛ ليخرجَ من النفوسِ البهجةَ النَّشِطَةَ؛ ويزيِّنُ بها ملامحَهم التي أوشكتْ أنْ يقيدها الخمولُ، وستعزفُ الرياحُ مع يومي الجديدِ ألحانَ الأملِ الأبدي ما بين الجبالِ والأَوْهَادِ.
سَألْتَحِم في يومي بجدارِ الرحمِ؛ وذلك بِوَصْلٍ يُقَوِّيْه، وعونٍ ينتشلُه من عَوَزِ المعضلاتِ.
سأنشد عند لقاء ذوي رحمي أناشيدَ الدمِ الضَّاجَّةَ في ملامحِي وملامحِهم المُسَرَّجَةِ بدِثارِ الأجدادِ؛ لِنُكَوِّنَ معاً عُصْبَةً تصمدُ في وجهِ الريحِ التي تحاولُ أنْ تهدمَ أحجارَ القوةِ من شرايينِ الدمِ الملتحِمةِ، وأنْ تغيرَ ملامحَ الأخوةِ بملامحَ دَخِيْلَةٍ لها ما لها من تفريقِ ذاتِ البينِ.
فسجدتانِ مسبحتانِ عند إشراقِ الشمسِ، وعندَ مغيبِها تثقلُ ميزانَ الحسناتِ، وتزيدُ نفسي جمالاً وكمالاً كاكتمالِ الجمالِ في صورةِ سحبٍ تلتحمُ بغروبِ الشمسِ؛ ليكونَ معها صورةً عُلْوِيَّةً تسبّحُ في محاريبِ التُّقى وخُطى الصالحينَ.
في يومي الجديدِ سأوقظُ الهممَ النائمةَ؛ لأجعلَها تسبحُ في مَلَكُوْتِ المبدعِ، وأسيرُ معها في مراكبِ المتوكلينَ على اللهِ في غَدواتِ الأوقاتِ وأصائِلِها؛ حيثُ تنيرُ دربَها الأنوارُ المسبِّحةُ.
والروحُ مني في يومي الجديدِ روحٌ لا تشيخُ، هي روحٌ متجدِدَةُ كتَجَدّدِ الأيامِ، هي التي تحتضنُ الأماني؛ لتغرسَها في ثَرى الواقعِ سعادةً مُتَعَهَّدةً مُنتظَرةً، وما مضى سأطوِيه في ذاكرةِ كانَ يا ما كانَ، لن أقصُّ حكاياتِه في أسْماري.
وليس كما قال جبران:
شاختْ الروحُ بجسمي وَغَدَتْ
لا ترى غيرَ خيالاتِ السنين

فلا تجعلْ أزهارَ أمانيك يحصدُها غروبُ أيامِك بل اروِها بالأملِ المتجدِّد؛ فإنْ أَفِلَ نهارُكَ فله غدٌ مُنتظَرُ يرويه.
ويدُ الحَصَّادِ لا تُحْيِي الزهورَ
بعد أنْ تُبْرَى بِحَدِّ المَنْجَلِ

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights