مسوغات استخدام التعليم عن بعد في القرن الواحد والعشرين
صالح بن محمد خير الكعود – باحث وطالب دكتوراة في تنمية الموارد البشرية – الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا
تعددت مفاهيم التعليم عن بُعد وتشابكت عند الباحثين، ولكن يمكن تعريف التعليم عن بعد بتعريف شامل بأنه:
“صيغة من صيَغ التعليم الحديث، يندرج تحتها جميع أشكال التعليم التي لا تعتمد على المواجهة بين المعلّم والمتعلم، وتستخدم جميع وسائل الاتصال لجسر الانفصال بين المتعلم ومصدر المعرفة” (الكعود 2011.)
ظهر هذا التعليم في بداية القرن العشرين على شكل تعليم بالمراسلة ثم التعليم بالردايو والتلفزيون والفيديو، ثم تطورت أشكاله بعد تطور وسائل الاتصال، فظهر التعليم الإلكتروني، وأخيراً ظهر التعليم الافتراضي كأحدث صيغة من صيغ التعليم عن بُعد.
وأمّا مجالات تطبيقه فتركزت استخداماته في العلوم الإنسانية والنظرية، بينما كانت هناك صعوبات كبيرة في استخدامه في مجال العلوم التطبيقية والطبية نظراً لحاجة المتعلم للمخابر والتطبيقات العملية. وعلى الرغم من ظهور المخابر الافتراضية، إلا إنه ما زالت تستخدم على نطاق ضيق.
وأمّا عن مسوغات استخدامه فهي متعددة وأكثر من أن تُحصر، ويمكن أن نجملها في الأسباب التالية:
1. أسباب اقتصادية: حيث يتميز التعليم عن بُعد بتقليل التكلفة الثابتة في التعليم التقليدي، والمتمثلة في تكلفة إنشاء المباني والفصول الدراسية والمرفقات والتكاليف غير المباشرة، مثل نفقات الانتقال والسكن والغذاء، حيث يساهم في تخفيض تكاليف التعليم التقليدي بما لا يقل عن 50 % ، حيث أثبتت دراسة واجنرWagner) ) أن كلفة الطالب في الجامعة المفتوحة في إنجلترا يعادل 25% من تكلفة الطالب في التعليم التقليدي، بينما بلغت 44% في جامعة القدس المفتوحة. فكان اعتماد التعليم عن بُعد حلاً استراتيجياً للعديد من الدول التي تعاني من مشاكل في تمويل التعليم قبل الجامعي والجامعي.
2. أسباب سياسية: في ظل وجود مختلف أنواع النزاعات والصراعات والحروب في دول عديدة، وفي ظل صعوبة التنقل، ظهر التعليم عن بُعد كأحد الحلول البديلة، ومثالها جامعة القدس المفتوحة التي انطلقت فكرتها بسبب ظروف الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، وصعوبة تنقل الطلبة بين المناطق. ومن مثالها أيضاً استخدام اليونسكو والأونروا برنامج التعليم عن بُعد لتدريب المعلمين في مخيمات الفلسطينيين في ستينيات القرن الماضي.
3. أسباب جغرافية: تتعلق ببُعد المسافة بين الولايات والمناطق، وصعوبة وارتفاع تكاليف التنقل، حيث استخدمت دول مثل أستراليا وكندا التعليم عن بُعد للتغلب على هذه المشكلة.
4. أسباب ثقافية: حيث تعاني العديد من الدول من مشكلات تتعلق بالأعراف والتقاليد، مما يحد من نسبة تعليم الفتيات على وجه الخصوص، فكان التعليم عن بُعد حلاً لهذه المعضلة، حيث يمنح الفتيات فرصة الالتحاق بالتعليم دون الاضطرار إلى السفر والانتقال إلى بلاد أو مناطق أخرى طلباً للعلم.
5. أسباب صحية: ولقد كان هذا الجانب مغفلاً عنه حتى ظهور وباء كورونا الذي نبّه العالم إلى ضرورة استخدام وسائل بديلة لاستمرار عجلة التعليم، وتبعد الطلبة عن مخاطر التواجد في مكان واحد، فكان التعليم عن بُعد عبر الإنترنت أو التعليم الإلكتروني هو الحل المناسب لكثير من المدارس والجامعات ومراكز التعليم والتدريب.
لا شك أن التعليم عن بُعد أضحى الآن خياراً حيوياً لا يمكن الاستغناء عنه لاستمرار وتطوير التعليم، والتغلب على معوقات استدامته، لا سيما بعد الثورة المعرفية والثورة في مجال التقنية والاتصالات التي سهلت الوصول إلى مصدر المعرفة، وإن التخلف في استثمار هذا النوع من التعليم فرصة لا يمكن تعويضها في المستقبل.