الذكاء الاصطناعي، أهميته وآثاره الاقتصادية
د. محمد رمضان
مدرس مساعد بكلية السياحة والفنادق-جامعة الفيوم-مصر
للتواصل عبر البريد الإلكتروني: Abdelhady@mail.dlut.edu.cn
تناولتُ في مقالتي السابقة العُملات الرقمية المشفرة Cryptocurrencies ومستقبل العلاقات الاقتصادية الدولية في ظل تطور التكنولوجيا الرقمية، وفي مقالتي هذه سوف أتناول الذكاء الاصطناعي كونه من أهم مخرجات الثورة الصناعية الرابعة Fourth Industrial Revolution، والذي لا تقل أهميته الاقتصادية عن تلك العُملات.
لا شك أن التقدم المتسارع في اقتصاديات الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence هو أحد الانعكاسات الاقتصادية للثورة الصناعية الرابعة 4IR ،والتي تُعنى بالاستخدام المكثف للتكنولوجيا والميكنة المتقدمة والروبوتات الآلية في عملية التصنيع وتفعيل الحوسبة السحابيةCloud Computing، وإنترنت الأشياء Internet of Things، وتكنولوجيا النانو Nanotechnology للتحول إلى ما يسمى بالمصنع الذكي. حيث يُعتبر الذكاء الاصطناعي مرآة عاكسة للتطورات التكنولوجية الرقمية التي شهدها العالم منذ أواخر القرن الثامن عشر, فقد أشار منتدى دافوس الاقتصادي العالمي World Economic Forum بسويسرا عام 2016 إلى كون الذكاء الاصطناعي هو المحرك الأساسي للثورة الصناعية الرابعة.
ويُعتبر التعلم العميق Deep Learning أبرز مظاهر الذكاء الاصطناعي، حيث يرتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية Artificial Neural Networks تُحاكي في طريقة عملها طريقة عمل العقل البشري.
وقد أصبح مصطلح الذكاء الاصطناعي منتشرًا بدرجة كبيرة في عصرنا الحالي، لدرجة تخوف البعض من استيلاء وسيطرة الروبوتات الآلية على الوظائف البشرية وعلى البشرية جمعاء، على الرغم من أن الواقع الحالي بعيد كل البعد عن هذا التصور. في عام 2014 أشار عالم الفيزياء Stephen Hawking إلى أن تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يمهد الطريق لفناء الجنس البشري، مُحذرًا من قدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتيًا، بينما وصف المخترع ورجل الأعمال الأمريكي Elon Musk الذكاء الاصطناعي بأنه من أعظم المخاطر التي تهدد الوجود البشري، كما شبّه تطوير الروبوتات الآلية باستحضار الشيطان. وبناءًا على ما تقدم، ما الذكاء الاصطناعي؟ وما أهميته وآثاره الاقتصادية؟
في عام 1956 أطلق العالم الأمريكي والباحث في مجال الحاسب الآلي John McCarthy مصطلح الذكاء الاصطناعي في مؤتمر كلية دارتموث Dartmouth College بالولايات المتحدة الأمريكية، وعرّف مكارثي الذكاء الاصطناعي بأنه فرعٌ من علوم الحاسوب، يُعنى بصناعة حواسيبٍ لها نفس الخصائص والصفات البشرية.
على الرغم من ذلك، هناك اختلاف بين العلماء وباحثي الذكاء الاصطناعي في إيجاد تعريف دقيق ومحدد للذكاء الاصطناعي، وهذا الاختلاف ناتج عن كون مفهوم الذكاء الاصطناعي ما يزال غامضًا، لكن رغم اختلاف العلماء في تعريفه، فقد اتفقوا نوعًا ما على أن مفهوم الذكاء الاصطناعي ينحصر في كونه أحد مجالات الدراسة والبحث المتعلقة بتصميم وبرمجة الحواسيب لإنجاز أعمال ومهام عادةً ما تحتاج من البشر استخدام ذكائهم لآدائها.
وقد أضحت اقتصاديات الذكاء الاصطناعي مسرحًا للتنافس الاقتصادي بين كبرى الاقتصادات في العالم منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، والذي يمكن اعتباره عصر الذكاء الاصطناعي، خاصة بين الاقتصاد الصيني والأمريكي باعتبارهما مركزًا للثورة الصناعية الرابعة، والمسؤولتين عن أغلب الأنشطة الاقتصادية ذات العلاقة بالذكاء الاصطناعي في العالم.
طبقًا للأكاديمية الصينية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات Chinese Academy of Information and Communication Technology، فقد بلغ حجم صناعة تقنيات الذكاء الاصطناعي في الصين نحو 44 مليار دولار في عام 2020، بمعدل نمو 15% سنويًا، بينما حجم صناعة تقنيات الذكاء الاصطناعي العالمي بلغ 12%، بواقع 157 مليار دولار في 2020. كما ساهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق إدّخارات وصلت إلى 11 تريليون دولار في قطاع الرعاية الصحية عالميًا، وفي قطاع الطاقة ساهم الذكاء الاصطناعي في خفض استخدام الكهرباء بنسبة 10%، كما حقق توفيرًا في استهلاك الوقود بنسبة 12% لشركات الطيران من خلال تحسين مسارات الرحلات الجوية، بالإضافة إلى مكافحة الروبوتات الآلية للفيروسات التاجية مثل 19-COVID.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية WHO، استعانت أكثر من 40 دولة في آسيا وأوروبا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالروبوتات الطبية لمواجهة جائحة كورونا، وفي عامي 2018 و2019 حققت الروبوتات الطبية نموًا بأكثر من 400% بفعل تزايد الطلب العالمي عليها.
وتشير توقعات معهد ماكينزي McKinsey Global Institute إلى ارتفاع المساهمة الاقتصادية للذكاء الاصطناعي في الأعوام القادمة، فمن المتوقع أن تصل القيمة المضافة Value Added الناتجة عن الذكاء الاصطناعي في عام 2022 إلى ما يقارب 4 تريليون دولار، وصولًا لنحو 16 تريلون دولار في عام 2030، أي 10 أضعاف مبيعات النفط عالميًا، وتشكل تلك المساهمة ما نسبته 19% من إجمالي الناتح العالميGWP، والمتوقع أن يبلغ 85 تريليون دولار في ذلك العام.
وترجع الزيادة في إجمالي الناتج العالمي الناجمة عن الذكاء الاصطناعي إلى عاملين أساسين: الأول يتمثل في ارتفاع معدلات الإنتاجية، والتي ستسهم بنحو 7 تريليون دولار، والعامل الثاني يكمن في زيادة معدلات الاستهلاك المرتبطة بإرتفاع جودة السلع المُنتَجة، حيث سيؤدي هذا الاستهلاك إلى زيادة الناتج العالمي بواقع 9 تريليون دولار. كما ستسيطر الصين على حجم الإنفاق العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي بنسبة 48%، وستساهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي بما يعادل 26% من الناتج المحلي الإجمالي GDP بحلول عام 2030، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 38%.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفتح فرصًا هائلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة SDGs التي حددتها الأمم المتحدة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وعلى صعيد دول الشرق الأوسط، يشير تقرير PwC إلى أن الذكاء الاصطناعي سوف يساهم بقيمة 320 مليار دولار في عام 2030، بنسبة 11% من الناتج المحلي الإجمالي. حيث سيصل نصيب المملكة العربية السعودية ما يقارب 135 مليار دولار، بما يعادل 12٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بينما ستحقق الإمارات العربية المتحدة حوالي 96 مليار دولار، بما يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي، تليها مصر بحوالي 43 مليار دولار، أي ما يعادل 8٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذلك، هناك مؤشرات قوية تشير إلى أن فجوة الدخول ستتحول إلى فجوة إلكترونية أو رقمية، نتيجة لإعادة توزيع الثروات لصالح القادرين على امتلاك المعرفة الرقمية والتكتولوجية، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى ظهور الفقر المعلوماتي. ونتيجة لذلك، ستتحول الثروة من أصحاب ومُلاك الأراضي والعقارات إلى أصحاب البرمجيات وبراءات الاختراع وحقوق الملكية الفكرية.
لذلك من المتوقع أن تتفاقم معدلات البطالة، وتتسع الهوة بين الفقراء والأغنياء، وتبرز حقبة جديدة تنعدم فيها العدالة الاجتماعية، بالتزامن مع تزايد معدلات النمو الاقتصادي العالمي بفضل الوفرات الناجمة عن الثورة المعلوماتية.
ومن المتوقع أيضًا أن تختفي العديد من الأنشطة الاقتصادية، حيث تشير التقديرات أن 80% من الوظائف الحالية سيتم استبدالها بوظائف أخرى عام 2040, كما ستنخفض معدلات العمالة البشرية في مواجهة نمو الذكاء الاصطناعي وإحلال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة محل العديد من الوظائف البشرية .