في المرة الأخيرة قبل الوداع .!
طه جمعه الشرنوبي – مصر
على مرفأ الروح ينتظرون الوداع، يتركون كل حكاية لم تكتمل على الشاطئ، لم يكن هناك مُتسع من الوقت لسماع النهاية، أو ربّما عدم الرغبة في السّماع، وكل صورة يقرر أحدهم أنْ يقوم بدور الُمصوّر ويظل غائباً، ويحتفظ بالغياب، وكل لحظةٍ ينتظرون احتضانها، آملين أن تكون هناك فرصة للوداع، وتنتهي الحكاية ولم تمر من هنا .. ويسكب كل موت أسباب الغياب في الوريد.
احتضنوا أسباب الغياب وقفوا على مفترق الطرقات، على ناصية الوداع، وتنفسوا بعمق. إن الهلاك يحتاج أن تكون قوياً، لا حاجة للإغتراب بصراع هزيل كرحيلك دون وجع، أو دون سبب ..! يبدوا فيه متباهياً بإنتصارٍ وهميٍّ عليك.
ما أجمل اغترابنا حين يبدوا لا شيء، يظل الحنين كما هو، ويظل الوجع كما هو، ويبقى الموت حاضراً كالحياة كما كان.
وعلى مرفأ الروح صوتنا لن يبدو قوياً فى الوداع، كل شيء سيبدوا متخاذلاً، إلا شُعورنا بالمعانقة والإحتضان، سيصرخ كل شئ فينا كان يوماً ما يخشى الصُراخ، كان يعتبره إهانة للكبرياء، سيجد نفسه نادماً على لحظة كان يستحق فيها أن يكون مجنوناً ولم يفعل، سيجد نفسه نادماً على أنه لم يُغنّى فى شوارع المدينة والحمقى يتزاحمون على الموت.
في المرة الأخيرة قبل الوداع نستطيع أن نُطيع أوامر القلب، أن تشبع العين من الرؤية، وأن تحتضن التّفاصيل، لن تستطيع صُنع مادة عازلة للإعتراف وأنْ تُصبح عُيوننا صوتٌ بلا صوت.!، فقط في لحظات الوادع يصبح الصّوت داخلياً ..!، وتكون الدّموع المطرودة من الجُفون استجابة حقيقية للوداع ..!.
في المرة الأخيرة قبل الوداع ربما تمتد المسافات بين حبيبين حتّى أنهما لن يقولا شكراً ..! فقط سيقولا: لا تغيب طويلاً، ولم يتركا فرصة للحب أن يقرر الانسحاب، سيغيبا وليس للحبّ غياب..!
في المرة الأخيرة قبل الوداع لم يَعُد أحدُنا قادراً على الرجوع للوراء خطوتين للإعتذار أو إنه يقول: سلام، إنتهى الكلامْ.
لكننا فقط نُسرع ونتقدم في مسافات البُعدْ، ثم خطوتان ويفتح باب الوداع.
في المرة الأخيرة قبل الوداع كل الآهات نتذكرها، وننسى ضحكاتنا على قارعة الطريق وحدها تقول:”لا تتركوني وحيدةً كالشّارع”.
فى المرة الأخيرة قبل الوداع يبدو كل شئ يُحرض على الغياب، حتّى ضحكاتنا أحياناً ننسى فيها الحضور، نكون غائيبين مع الصّدى.
فى المرة الأخيرة قبل الوداع تمتلكنا آمال الإجابة على أسئلة ننتظر الغدّ لنعرف الإجابة عليها، لم يعد أحدنا متاكد من حقيقة الحياة، أو الحب، أو الوجع، أو الحنين إذا تخلينا عن أمنياتنا لمن تركونا ورحلوا بالهلاك، فقط متأكدين من الموت، كل شيء يبدو جحيماً في الغياب.