لا جديد في ضرورة القراءة
د. علي زين العابدين الحسيني
بات الوعي بأهمية القراءة مفقوداً في دور التعليم ومعاهده، حتى ظنّ كثيرون أنّها لا تعدو عن كونها متعة ذهنية، أو خياراً من قائمة الخيارات، أو مجرد نشاط ثقافي يقومون به لنيل حظوةٍ، فلا يستشعرون أنّ القراءة عملية ضرورية لاستكمال آلات النجاح، وحاجة ملحة لامتلاك مفاتيح التقدم في أيّ بيئة من البيئات، وهذه النظرة السطحية للقراءة لا نتأسف بعدها ومعها أن تتخرج أجيالٌ لا تعبأ بأمر ثقافتها، وإذا ما كانوا يريدون جيلاً يتميز عن غيره بالثقافة مع قلة العمل على زيادة الوعي بأهمية القراءة فأنّى لهم ذلك؛ لأن الثقافة تسبقها مرحلة أولية من القراءة الواعية المستمرة، فهي الممهدة للمعرفة، وبدونها لا يمكن تحصيلها أبداً، وقد كتبتُ قبل ذلك في عدة مقالات وتكلمتُ في بعض الملتقيات الثقافية أنّ العزوف عن القراءة بالنسبة لواقعنا يمثل ظاهرة عامة نصطدم بها يومياً، في حين أنها تمثل في بعض المجتمعات مجرد أزمة، وهي في بيئات أخرى ليست إلا مجرد حالة، وهو ما يعكس ضرورة الكتابة عن أهمية القراءة بحيث لا نمل من ذلك أبداً؛ لأن القاعدة تثبت أنّ الكلام إذا تكرر على الأسماع تقرر في القلوب، وقد يصل الإلحاح في بعض المرات إلى فرض أمر القراءة فرضاً، ومما يتوهمه بعض المهتمين أن القراءة إنما تخص مرحلة عمرية أو فئة محددة في المجتمع، لكن كل شواهد الدول المتقدمة وتجاربها في مجال التعليم تشير إلى أنه يجب أن ينخرط في مسار القراءة كل طبقاته، ولكلّ طبقة منها مجالها وكتبها الخاصة، وإذا كنا من قبل عانينا من أمية القراءة والكتابة وفتحنا لذلك فصول “محو الأمية” فإننا نعاني في واقعنا من أمية الثقافة، وهي ما أطلقتُ عليها قبل ذلك “الأمية المقنعة” التي هي أخطر بكثير من سابقتها، وكما كنا في حاجة ماسة في فترة من الفترات لمحو الأمية العامة من المجتمع بتعليم القراءة والكتابة، فنحن في هذه المرحلة في أمس الحاجة إلى محو أمية الثقافة، على أنّ أفضل من يقوم بهذه المهمة القائمون على التعليم، ومع بداية كلّ عام دراسيّ أجدد هذه الدعوة، ففي اعتقادي أن أفضل العاملين في طريق الأخذ بأيدي الطلاب لما ينفعهم مستقبلاً هم من يخطون الخطوة الأولى في سبيل تنمية عادة القراءة لديهم، ومَن يضعون الحجر الأول في بناء المجتمعات التعليمية الثقافية، وقد أعجبني كثيراً كلام أحد أساتذتي حينما صرّح لي أنه يدرسني وغايته من وراء ذلك أن يعطي لي مفاتيح التعلم وآلة التفكير وسبل النقد، وهي أشبه ما تكون بالآلة التي يصطاد بها صائد السمك سمكه، فهو لا يعطي لي السمك؛ لأن السمك متوفر في كثير من الأماكن، وأما آلته فهي وإن كانت متوفرة إلا أنّها تحتاج تعليماً وممارسة، وهو تمثيل حسن، مثلها مثل المعلومات والكتب فهي كثيرة ومتوفرة، وأما الاستفادة من المعلومات والكتب واستخراج الأدوات وتوظيف المعرفة في الحياة العامة فهي الغاية الصعبة المرجوة.
أعود فأقول: إنّ القراءة سفرٌ عبر الأيام، واختصارٌ للتجارب، وإلمام بسبل النجاح، ووصول إلى العلوّ، وتحصيل لرفيع المكانة، وهروبٌ من الصعوبات، وتجديدٌ للنفس، وسمو بالذات، ومعرفة بدنيا الناس، وتصقيل للمواهب، وتعزيز للأفكار، ومبادرة للبقاء حتى بعد الممات، وطريق العظماء، وأعظمها أنّ القراءةَ حياةٌ أخرى مع هذه الحياة.