النقد وتأثيره على النفس البشرية
عبدالله بن حمدان الفارسي
هاجس ليس بالغريب عنا ولا هو بمجهول الهوية منا، فكل واحد منا بالتأكيد قد شعر واستشعر به أو واجهه، وفي حالات كثيرة نسعى جاهدين بملء إرادتنا للبحث عنه هنا وهناك .
ولكن في حقيقة الأمر أن ما نبحث عنه وما سوف يكون جوهر حديثنا له ضد أو ند، والكثير فينا لا يحبّذ ذلك الضد أو الند لهذا الشي؛ لما يسبّبه من تراجع أو انكسار لدى البعض منا في مسيرته على مختلف مستوياتها العلمية أو العملية أو التربوية، وغيرها من السلوكيات التي نمارسها بهدف تحقيق الذات أو لتحسين أمر ما في حياتنا.
علما أن ذلك الضد أو المعاكس في المعنى اللغوي بقدر ما تكون لنا فيه من منفعة فدائماً ما ننظر إليه في أحيان كثيرة على أنه الوحش المدمّر الملتهم والمفترس لسعادتنا وأفراحنا.
متابعيني الكرام حتى لا أسهب كثيراً في مقدمة طرحي، أود منكم مشاركتي فيما أصبو إليه؛ وذلك فقط من خلال التركيز والتخيّل والعودة بقدر المستطاع لما مضى من حياتنا.. والاستشعار بشعور الرضى من عدمه، وهل فيكم من وقف وقفة صدق مع النفس محاولاً تصحيح المسار وتجاوز الصدمات التي تلقّاها من الضد الذي يتعارض مع ما تسمو له النفس وتتمناه.
وبالمقابل هناك سؤال يطرح نفسه عند التطرقّ بالتحدّث عمّا أنا بصدد الإفصاح عنه وضده، وهذا الاستفسار هو في كيفية الاقتناع أنّ ما أسمّيه في طرحي هذا بالضد، هل هو ضد نافع وفيه خير لنا وتقدم وتصحيح وضع وتحسينه للأفضل، أم أنه حرق ونسف وبعثرة جهود كابدنا لأجلها وحفرنا في صخور الحياة لكي نصل لأهدافنا ونحقق أحلامنا ونؤسس مكانة لنا بين المميزين؟.
أستسمحك عذراً أيها القارئ الكريم في الإطالة عليك دون الكشف عن مكنون ما أتحدّث عنه.
إنّ ما أود طرحه هو عن النقد أو الانتقاد بشقّيه البنّاء والهدم، ومدى تقبّلنا لهما وقدرتنا على التمييز بينهما، وهل بالاستطاعة التفريق بين البنّاء، وهل هو فعلاً كذلك، وبين الهادم إن كان يحمل في مضمونه تلك الغاية؟
أيضاً في كيفية معرفتنا وإدراكنا بالمعنيين في هذا المجال، وهل هم من ذوي الاختصاص والخبرة من عدمهما، ومدى الرضى النفسي عن الناقد مهما كان نقده، وهل المنتّقَد والمنتقِد لديهما الوعي والإلمام بقواعد وأساسيات علم النقد. إنّ النقد البنّاء مهما كانت رياحه عاتية وعواصفه مزلزلة بحيث يشعرك وكأنه يحطّم مجاديف أحلامك، ولكنّه في حقيقة الأمر هو من يحملك في ذات الوقت على جناح النجاح في نهاية المطاف، ويفتح لك أبواب آفاقه بالرغم من الجمر الذي يضع يدك عليه، كما أنّه في المقابل هناك النقد الهادم الذي يتفرّع لنوعين؛ نوع منه قاسي وغير مبرر، هدفه النيل من عزيمتنا ووأد المواهب في مهدها، والنوع الآخر وهو في غاية السلاسة والنعومة بحيث يشعرك بأنّك قد لامست سحاب النجاح وتربّعت عرشه، وهذا النوع هو السم الزعاف بعينه لا يختلف هدفه ولا غايته عن الأول وهو التخدير الناعم حتى الممات.
خلاصة الطرح إن النفس البشرية بطبيعة الحال تحب من يثني عليها ويمدحها، ولكن أحيانا ذلك الثناء والإطراء ليس وراءهما إلا هاوية سحيقة مَن يسقط فيها لا يمكن له النهوض أو الخروج منها.
لذا علينا أن نتقبّل النقد البنّاء مهما كان جارحاً، فهو سبيلنا بتوفيق من الله إلى دروب النجاح، ولا نجعل النقد الهادم أن يأخذنا على غفلة منا وفي ظل نشوتنا إلى قمم ليس أعلاها إلا براكين ملتهبة، البقاء عليها أو القفز منها كلا الخيارين مميت.
وما علينا إلا أن نعي وندرك بقدر الإمكان، ونستشعر بمن حولنا وبمن أراد بنا خيراً أو ضده.. وللتوضيح إن ما تحدّثت عنه أعلاه ليس متوقفاً على مستويات المهن والحرف فقط، إنّما على مستوى جميع مناحي الحياة المختلفة بدءاً من السلوكيات والممارسات الاعتيادية اليومية حتى الحرف والمهن.