كبّر عقلك وريّح بالك
خلفان بن ناصر الرواحي
قد تصادفنا العديد من المواقف الصعبة، ونواجه بعض المشكلات في حياتنا اليومية، وقد نصادف بعض الأشخاص المشاكسين والمنّكدين الذين لا نستطيع أن ننسى مواقفهم وتعاملهم معنا؛ وهذا كله هو سلوك بشري فردي أو جماعي يظلّ موجوداً وشرٌّ لا مفرّ منه، إلا إن الحكمة تقتضي التعامل مع جميعها بحذر وكياسة، ونكبّر عقولنا، ونوسع صدورنا لنصل لراحة البال وتجاوز الأمر. كما أنه قد يعتري أنفسنا الغموض في كثير من المواقف ونقوم بإصدار الأحكام فيخوننا التفسير نتيجة التسرع قبل معرفة الحقائق، ونغلق عقولنا، ونضيّق صدورنا، ونحمل همنا وهم غيرنا.
أحياناً يضع الله في طريقنا أشخاصًا نبتلى بهم، ونتضايق من كلامهم أو معاملاتهم، وربما تمنينا لو لم نعرفهم، أو نلتقي بهم مرة أخرى، ولكن هل تعلمنا أنهم قد يكونوا سبباً لصالحنا؛ كي نراجع تصرفاتنا وسلوكنا ونصلح ما بداخلنا؟!.
قد نتعامل أحياناً مع أشخاص يتميزون بالعصبية ويفقدون التحكم؛ فلنتعلم منهم الصبر، ونلتمس لهم العذر حتى وإن كانوا على خطأ.. فالشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب. فمثلاً قد نصادف في طريقنا أثناء قيادة السيارة أشخاصاً متهورين في القيادة، ويعتقدون أنهم على صواب فيما يفعلون، وربما يتلفظون علينا ببعض الكلمات التأنيبية وربما يصدرون أقبح الكلمات، وكأننا نحن المخطئون، فلنكبّر عقولنا ونتعلم من هذه المواقف الحلم…
قد نختلف مع صديق أو جار لنا في وجهة نظر، أو موقف معين، فعلينا أن نتذكر حينها حق كلٌ منا على الآخر، وتجاوز العثرات لأننا وإن اختلفنا نظلُّ جيرانا وأصدقاء.. فقد أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام بالجار، فعن عائشة -رضي الله عنها-، وعبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورِّثه».. فلنكبّر عقولنا ونوسع صدورنا…
فمن القصص الجميلة المتعلقة بالجار؛ “يحكى أنه كان أحد الآباء يستعد للاحتفال بزواج ولده وفلذة كبده الوحيد الذي وُلد بعد عشرين عاماً من زواجه، كل الجيران يعلمون جيدًا مدى حب الأب لابنه وكيف كان مشغولًا للتحضير لهذا اليوم وهو أن يرى ولده عريساً. فدعا جميع جيرانه لوليمة الغداء، لكن جاره الملاصق لبيته لم يحضر أحد منهم إلا الابن الصغير، حضر وبسرعة ثم خرج من الوليمة بعد أن أكل منها القليل. كان والد العريس يراقب المشهد، ويتساءل: ما هذا الجار الذي لا يقف مع جاره في هذا الموقف؟، وما هذا الجار الذي لم يحضر أبوهم أو حتى الولد الكبير على الأقل؟، ولماذا أكل الولد الصغير بهذه السرعة، وغادر وترك الفرح؟. والد العريس أصابه الانزعاج من جاره وخواطر كثيرة مرت على أفكاره. فبعد إكتمال الوليمة بدأ المدعوون بالتأهب بإحضار السيارات لجلب العروس من بيت أبيها، وفي تلك الأثناء جاء الابن الصغير لجاره بسيارته للمساهمة بزفاف العروسين، لكن والد العريس رفض بانزعاج، وقال له: لا نريد مشاركتكم، عندنا سيارات كثيرة، فسكت الولد، وفي تلك الأثناء لمح والد العريس حركة غير عادية وغريبة في بيت جاره أثناء فتح الباب عندما ركن الابن الأصغر سيارته عند بيتهم، وأراد أن يسأله، ولكن تذكَّر موقفهم السلبي فتركه. بعد العشاء وإكمال مراسيم الفرح، و بعد أن غادر جميع المدعوين للعرس وعادوا أدراجهم، وإذا بجنازة تخرج من بيت جاره من غير عويل ولا صراخ ولا ضجيج. فسأل والد العريس من المتوفى؟، فرد عليه الابن الكبير لجاره إنه والدي توفي ظهر اليوم، وعند شعوره بالوفاة أوصانا بالحفاظ على الهدوء وعدم إظهار الحزن إذا وافاه الأجل لتكتمل فرحتكم بولدكم، لأنه يعرف مدى حبك لولدك الوحيد، وأوصانا أن تخرج الجنازة بعد إنتهاء الفرح حتى لا تتعكر فرحتكم. هنا وقع عليه الأمر – والد العريس- كالصاعقة بظنه السوء بجيرانه، وقال: والله لو كنت أنا ما فعلتها، ولكن الرجولة لها أهلها ولا يفعلها إلا الرجال”.
كذلك الحال في تعاملنا مع أسرتنا، ينبغي أن نكبّر عقولنا ونوسع صدورنا لنعيش سعداء، ونحافظ على كيان الأسرة.. فبعض الأزواج ينغّص حياته الزوجية، فينتقد هذا، ويغضب على أتفه الأسباب، وتسود الشحناء بينهم، ويضيق الصدر، وربما يحدث ما لا يحمد عقباه…
علينا أيضاً أن نبتعد عن مواقف العناد والمشاكسة والمكابرة، والتمسك بالرأي، لنكسب قلوب الآخرين.. فأغلبنا قلوبنا ضيقة؛ فلا ينبغي أن نُكدرها!، والله تعالى بواسع علمه يريد أن يوسع قلوبنا للناس؛ فيجب أن نكون مصدر حب للجميع، ونعيش مع أنفسنا ومعهم بروح هانئةٍ، ونفسٍ طيبة ومطمئنة، وقلب ودود ومرتاح، ونوسع صدورنا للجميع…
ذكر الدكتور خالد بن صالح المنيف في كتابه -كبّر دماغك-؛ “في لقاء تلفزيونيٍّ مع أحد المفكِّرين الكبار، وكان ذا صوت جهوريٍّ وبسطةٍ في الجسم ودقةٍ في الفهم، سأله المُحاوِر عن سرِّ نجاحِه في علاقاتِه عمومًا، والأُسريَّة خصوصًا؟
فأجاب: «في الحياة كلها، إذا أردتَ أنْ تسعَد وتنجوَ من الأمراض والأوجاع والسَّهَر الطَّويل، وأنْ تكسِب في كلِّ علاقاتِكَ ومن ضمنِها علاقتُكَ مع شريكِكَ… فقط: كبّر دماغَكَ!»، وما زاد عليها بشيء!
وبصراحة، اختصرَ هذا الحكيمُ كلَّ الوصفاتِ، واختزلَ كلَّ الوسائل، وكأنَّ اللهَ آتاه جوامعَ الكَلِم في هذا الموقف!”.
إذن كلّ ما علينا فعله هو أن نجاهد أنفسنا ضد الإدانة، وعدم إصدار الأحكام على الغير، ونجاهد عن سوء الظن، والبعد عن كل ما يؤدي إلى ضيق الصدر وإثارة الغضب، ولنكن صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين، ولنحكِّم دوماً عقولنا، ونرح أنفسنا، ولا نكون سبباً لتجريح الآخرين، سواءً بالكلام، أو الإساءة، أو القسوة بالتصرفات والأحكام، وليكن شعارنا دائماً كبّر عقلك وريّح بالك، ولنسأل الله ثلاثاً؛
حُسن الحياة، وحُسن الرحيل، وطيب الأثر.