الصديق الحرامي
أحمد الحراصي
لم أجد عنوانا يُناسب أكثر لهذه الفئة من الناس الذين يدّعون أنهم أصدقاء وهم في حقيقة الأمر تحكمهم المصالح الشخصية، الاحتيال هو وظيفتهم التي يستعطفون فيها أصدقائهم وعادة ما يبرعون فيها، فهُم على دراية وفهمٍ ووعي بهذه الوظيفة وكأنهم قد تدربوا عليها أو أخذوا دورة في كيفية إدارة الأعمال بالاحتيال. فهل صادقت يوما إنسانا، ظننته من الوهلة الأولى سيكون نِعمَ الصديق الذي تستند عليه وقت الشدة لكنه وبلا أي سبب خذلك واحتال عليك بمكرِ فغدر بك؟
نشر حساب عمان الحدث تغريدة قبل أسبوع مضى يقول فيها وأنقلها هنا حسب ما جاءت بين قوسين (المحامي سرحان الريسي: من أغرب القضايا التي ظهرت حديثا.! قيام الشخص بطلب مركبة من صديقه للذهاب في مشوار معين ، ثم يقوم بفك بعض من قطع غيارها الجديدة بالتعاون مع العمالة الوافدة وبيعها واستبدالها بقطع غيار قديمة، ثم إعادة المركبة لمالكها)، نص قصير بداخله قصة طويلة ربما امتدت لعقود، فعندما نقول أن هذا الرجل صديقه يعني الرجل الذي يثق به وإلا لَمَ أعطاه سيارته ليستخدمها، قد يقول بعضهم إنها الحاجة التي جعلت منه ليكون هكذا، الحاجة لا تجعلك تتخلى عن مبادئك وأخلاقك التي علَّمك إياها الدين الذي أنت مؤمن به، فهذا عذرٌ كما يُقال أقبح من ذنب وهذا هو الصديق (الحرامي) الذي أقصده، فكيف تطاوعك نفسك أن تغدر بصديقك الذي أمَْنك سيارته لتذهب فيها وتقضي مشوارك؟ أخشى أن ينفلت الزمام يوما وتصبح الصداقة مجرد وهم نتيجة هذه التصرفات فتخشى العرب أن تتخذ خليلا.
هذه التغريدة أعادت لي ذاكرتي للوراء في أكثر من سنة مضت، كنت أسكن في سكن يقطنه شخصان ظاهرهما يقول أنهما صديقين حميمين، دائما ما كنت أراهما منسجمين يروحون ويجيئون معا، وذات يوم كان الأمر مختلفا عن ما كان عليه، ذاك اليوم نفسه رأيت أحدهم وحيداً لأول مرة، كنت متعجبا من نفسي فقلت ربما حدث أمرٌ ما لصديقه المزعوم، فسألته عن حاله وعن صديقه، فرد عليَّ يومها برد المهموم فقال لي بأنه كان لديه مبلغا ما وهذا المبلغ قد وضعه في (دشداشته) المُعلَّقة داخل الغرفة ولا يعرف عن هذا المبلغ إلا هذا الصديق وأنا أعرفه وعلى يقين بأنه هو السارق وعندما واجهته أنكر ذلك، ثم تحول نقاشنا إلى مواجهة بالأيدي فطردته من السكن، هدأت الرجل وقلت له عوضك الله خيرا وحسنا فعلت بأن طردته لكي لا يُعيق علينا أمن المكان الذي نعيش فيه، هذا الخبر صادما لكن تصديقه ليس مستحيلا ولا يجب إنكار مثل هذه الحوادث التي تحدث الآن في زماننا.
بعد هذه الحادثة، وبعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر عاد الصديقان مع بعضهما، ربما تناسوا ما كان بينهما من خلاف ولكنني لم أنسَ ذاك الحديث وهذه الحادثة فقد إرتأيت أن أبتعد عن هذه المشاكل وأنسحب لكون هذا المكان غير آمن لذا فضَّلت الخروج، فهذه سجيتي دائما ما تجدني أنسحب من المشاكل لكي أتجنبها، على عكس ما قاله أحدٌ يوما لي بأنني (راعي مشاكل)، أنا لست (راعي مشاكل) يا صديقي ولكن عندما تحل المشاكل يجب عليًّ أن أواجهها وأجد لها حلا بمعنى عندما يسقط الفأس على الرأس يصبح الأمر لا فرار؛ فالعدو من أمامي والبحر من خلفي فأين المفر إذاً؟.
ثم بعد أكثر من 10 أشهر تواصل معي هذا الزميل(الصديق السارق)، وبعد السلام عرض لي سلعة للبيع، وقال لي أريد منك تقييمها وأنا أحتاج لبيعها ووجدتك الشخص المناسب لها، أنا في حقيقة الأمر لست عالماً بسعر هذه السلعة في السوق ولذا فضَّلت سؤال أخي عنها، وبعد المشاورات مع بعض العارفين بقيمتها، أخبرني أخي بأن السلعة لا تتجاوز مبلغ معين فاعطه قيمة أقل من مائة ريال، ربما 80 ريالا سعرٌ مناسبٌ، إلا أنني فكرتُ أن أعطيه قيمة أقل من النصف تقريبا، فكان رده مفاجئا، (طيِّب) ألن تعطني أكثر قليلا، قلت له بأن السلعة هذه قيمتها ولن تجد لها أكثر من هذه القيمة، وبدون تفكير رد عليَّ قائلا (خلاص تمام بنزل البلاد وبجيبها لك، بس لازم تحول لي المبلغ قبل)، هنا أدركت أن الرجل عاد لطبعه القديم أو بالأحرى أنه لا يزال على حالته من المكر والاحتيال، قلت له بأنني سأراها أولا ومن ثم أعطيك المبلغ على طريقة (سلِّم واستلم)، لكنه بدأ يُخادع فاستدرجني قائلا على سبيل الضمان يجب تحويل المبلغ، إلا أنني أخبرته -وعلى سبيل التخلص من فكرة الاحتيال- لا أريد السلعة ولكن ربما أحدٌ ما يريدها وأنا سأعرضها فسكت ولم ينبس بحرف، فهل يراني أخرقا لأنصاع لهذه الهراءات؟أم أنه يحسبني مثل أولئك الذين استمالهم بحيلته القذرة، أم أنه يظنني أنني نسيت ما دار بينه وبين صديقه؟.
إن للصداقة درجات أعمقها القرين وأدناها التِرب، والتِرب هنا هو مثيلك في السن، وعلى هذه الدرجات يجب أن تعرف مرتبة صديقك أو زميلك فليس كل صديق يحفظ أسرارك وليس كل صديق أمين فمن بين العشرة تجد أفضلهم واحد إن وضعته في المشخل لتصفية هؤلاء العشرة فأنه لا ينشخل فهو ليس ناعما وإنما يتميز بالخشونة والصلابة، ولذلك يجب أن تنتبه لنفسك وأن تُحكم عقلك وأن تميز بين من يكون صديق العمر وبين من يكون صديق المصلحة، وأن في الحياة التي تعيشها أناس بينهم الصالح والطالح وعليك أن تكون مدركا وواعٍ وأن لا تثق بمن لا يثق حتى بظله وأن لا تعطِ أحداً سرا أو شيئاً إلا وأنت تعرفه جيدا بقدر معرفتك نفسك، لذلك لا تنخدع للمظاهر فالصديق يُعرف بالصحبة والمرافقة؛ فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم اختار أبا بكر الصديق رضي الله عنه ليرافقه في رحلته نحو الغار؛ وذلك لصدقه وأمانته ويعرف جيدا بأنه أصلح الصحابة لهذا الاختيار وأن العلاقة بينهما عميقة إلى أبلغ درجات الصداقة، لذا اختر من تراه يصلح للاختيار وميَّز أفضلهم واترك أرداهم، ولذلك قيل (اختر قرينك واصطفيه تفاخرا، إن القرين إلى المقارن يُنسبُ، ودع الكذوب فلن يكن لك صاحبا، إن الكذوب يشين حرا يصحبُ).