عيدنا حظر
هلال بن حميد بن سيف المقبالي
تغيرت جميع الأوضاع في ظل جائحة كورونا (كوفيد 19) في أسلوب معيشتنا وحياتنا وعلاقاتنا المجتمعية، فأصبحنا أكثر انغلاقًا من ذي قبل، وقلَّت دروب التواصل بين الأحبة والخلان، وصلة الرحم هي الأخرى اضمحلت؛ وكأن هذا الوباء العالمي سجنٌ كبير، سجنَ كل شيء فيه بقانون ونظام، وتحت إجراءات محددة، وها هو العيد قادم ونحن في حظرٍ كلي، لم نكن قد عهدنا هذا الوضع من قبل.
مرت علينا خلال هذه الجائحة ثلاثة أعياد من الأعياد الدينية وهذا العيد الرابع، و من عادة العماني في أيام الأعياد التجمع والتكاتف والبهجة والسرور وإحياء الفنون التقليدية، و العرصات (المناداة) والمخرج (العيود) والكثير من العادات و السلوكيات الجميلة التي كانت تمارس قبل و أثناء وبعد أيام العيد؛ والتي كانت تبعث الفرحة والسرور للجميع و خاصة الأطفال الذين لم يحصلوا على الكثير من الفرح والترفيه خلال هذه الجائحة، و اشتاقوا لحياة اللعب واللهو و التنزه، وحتى أنهم نسوا عالمهم الخارجي؛ فكانت الألعاب الإلكترونية هي البديل رغم خطورتها و المتنفس الوحيد لهم.
ثلاثة أعياد سبقت هذا العيد منذ أن حل فيروس كورونا (كوفيد 19) ضيفًا ثقيلًا علينا، كانت الإجراءات أكثر مرونة ، و لم تكن بمثل إجراءات هذا العيد.
هذا العيد اختلف نظامه جذرياً، فهناك حظر كلي في أيامه الأربع، وقبله وبعده تقليص في ساعات الحركة.
عندما نقول لأبناءنا بأن هذا العيد لا حركة خارج المنزل ولا زيارات ولا تجمع، حتى اللعب المعتاد مع أطفال الحي كله ممنوع؛ ترى الحزن في أعينهم لا يدركون الغاية من ذلك، وعندما نقول لهم كل هذا بسبب “كورونا” يقولون: متى يموت هذا الكورونا؟ وبعضهم يقول: اقتلوه! ، وكأن كورونا رجل احتل بلدنا. من الطرافة أنني في يومٍ ما قلت لابنتي الصغيرة عندما أرادت الذهاب معي أن”كورونا” موجود يتمشى في الخارج ولا يحب الصغار، قالت : “أنا ما أخاف منه خليني بس أشوفه اشل عصا وأضربه، لين يشرد”، هذا تفكيرهم برغم كل التهيئة النفسية التي نبثها لهم إلا أن براءتهم غلبت ذلك.
هذا كله يأتي وقد أخذ لقاح (كوفيد 19) أكثر من مليون شخص حسب إحصائيات وزارة الصحة وكان الإغلاق الكلي، والأعياد السابقة كنا في ذروة الجائحة، ولم يأخذ اللقاح إلا القليل من الأشخاص و كبار السن وكانت الإجراءات أقل، فالحركة موجودة ، وحرية التنقل متاحة رغم محدوديتها.
هنا لا أطالب بإلغاء الحظر، فكلنا متقيدين و منفذين لكل قرارات اللجنة بكل طواعية؛ فما جاء ذلك إلا لمصلحة الوطن والمواطن، ولكن لو أن اللجنة العليا راعت قليلًا العلاقات المجتمعية و خاصة أنها أيام مباركة، والعيد الذي ينتظره جميع المسلمين كل سنة، عيد الأضحى المبارك.
عند العمانيين الأعياد و المناسبات لها طابعها الخاص بتقاليدها وعاداتها، ولو أستثنت اللجنة من الحظر اليوم الأول من أيام العيد للقيا و تبادل التهاني، والسلام بين الأهل، ولنحر الأضاحي، فمعظم الأسر تتجمع في بيت العائلة، و على أضحية واحدة أو عدة أضاحي، وهنا تلتقي فرحة الأطفال بهذا اليوم، مع أقرانهم من أبناء العمومة والعمات، ويجمعون الهدايا والعيديات، ويتباهون بملابسهم الجديدة الزاهية فرحة يعيشونها ولو للحظات قليلة، فهي فرصة ستغير قليلًا من نفسياتهم وعقدة “كوفيد 19” التي غزت و احتلت نفسيتهم، ولم تدركها عقولهم.
تبقى فرحة الأطفال بالعيد هي السراج المنير الذي يراه الكبار بين ثنايا أطفالهم وهم يمرحون ويلعبون ويختارون ألعابهم بأنفسهم، وفرحة لقاء الأطفال ببعضهم بعضاً واللعب هي المتنفس لهم، وترويض أنفسهم، وستصبح هذه اللقاءات والتجمعات، الذاكرة المختزنه لهم في هذا العمر والتي ستكون ذكرى لهم مستقبلًا؛ فماذا سيتذكرون في سنوات العجاف من كورونا؟.