فلاسفة عصرهم
أحمد بن موسى البلوشي
من قصص العرب التي تروى قديما: “كان هناك رجلًا في قرية ما يفتي كل سائل، ويدّعي الحكمة والفهم والمعرفة بالأشياء؛ فإذا طُرِح سؤالٌ عليه أجاب وبكل سهولة، وكأنّه عالم من العلماء، فلاحظ مجموعة من شباب القرية هذا الأمر، واتخذوا قرارًا بأن يختبرونه لكشف أمره للناس ويتضح لهم بأنه قليل الحكمة والمعرفة؛ فاتفقوا على أن يختار كل شاب منهم حرفًا من حروف اللغة بحيث تتكون من هذه الحروف كلمة ليس لها أصل ولا معنى، ومن ثم يسألونه عنها، فكانت الكلمة هي “الخنفشار”، وهي كلمة ليس لها معنى، وربما لا توجد في القواميس والمراجع اللغوية؛ فسألوه عنها، فأجاب وبكل ثقة بأنّها نبتة تنمو في أعالي الجبال بأطراف اليمن إذا أكلته الإبل عقد لبنها”.
كانت إجابته مذهلة، وغير متوقعة، وقالها بدون تردد، وهذا أكبر دليل على أنّ مدّعي المعرفة، يفتون في كل أمرّ وكأنهم يعرفون كلّ شي!
وانتشر بين الناس أشخاص يدّعون العلم، ويوهمون الآخرين بأنّهم يعرفون كل شيء رغم جهلهم لكثير من المواضيع والأمور، فلا يكاد يُطرح موضوع إلا وكان لهم مداخلات ومشاركات، فهم علماء في الأمور الطبّية، ومهندسون في علم النفط والغاز، ودكاترة في التربية، وموسوعة في العلاقات الاجتماعية والإنسانية وبكافة أنواعها، لا يقتنعون بما يطرحه الآخرون، ويعترضون على الكثير من الأحاديث والأقوال، كلامهم صحيح وكلام غيرهم عديم الصحة؛ هم موسوعة في العلم والمعرفة، يعرفون كل شيء وعن أيّ شيء وأفضل عن أي شخص آخر، باختصار هم علماء المعرفة، وفلاسفة عصرهم.
وقد يكون من الطبيعي إلمام الإنسان بالكثير من الأمور العامّة في الحياة، ولكن من غير الطبيعي أن يكون الإنسان متخصصاً في كل شيء ويعرف عن كل شيء، وليس شرطًا أن يكون له رأي في شيء لا يفقه المعرفة فيه، ويقول توفيق الحكيم: “يجب على الإنسان أن يعرف كل شيء عن شيء ما، ويعرف بعض الشيء عن كل شيء”، فعندما يعتقد الشخص بأنّه يمتلك المعرفة المطلقة والعامة وجميع الحلول للقضايا التي تطرح، وجميع إجابات الأسئلة، وأنّ رأيه هو الصحيح، ويحاول أن يقنعك بأنّ كلامه صحيح ومنطقي، ويتعارض مع ما يُطرَح من آراء؛ فتأكد بأنّ هذا الشخص يفقد فرصة ذهبية وهي أن يتعلم المزيد من المعرفة؛ لأنّه يوهم نفسه بأنه يعرف كل شيء. فالمعرفة بحر عميق، وأكاد أجزم بأنّه لا يوجد شخص ملم بكل صنوف المعرفة وبكل تفاصيلها حتّى وإن كان متخصصاً في مجال ما فليس من الطبيعي أن يكون ملماً بكل ما يتعلق به؛ لذلك وُجِدت التخصصات الرئيسة والفرعية في كل أنواع المعرفة والعلوم، ولهذا نجد في كل فرع من فروع العلوم متخصصين وملمين بتخصصاتهم الفرعية أكثر من التخصص العام.
وأخيرًا نصيحتي لهذه النوعية من البشر مقولة جورج برنارد شو: “احذر من ادّعاء المعرفة فهي أشد خطرًا من الجهل”.