سميحة الحوسنية
لم تكن (زينب) تعلم أن هناك أيامًا حُبلى بالحزن تنتظرها، مفعمة بغصص الألم، حيث كانت تعدّ الساعات لقرب ولادتها، فكلّ شيء يبدو على ما يرام وقد قامت بشراء كل متطلبات المولود القادم من كماليات مختلفة وحلويات تستقبل فيها المهنئين، ولأنه الحفيد الأول وثمرة انتظار دامت 15 سنة، فكم كانت فرحتها وفرحة من حولها عارمة، لم يكن العالم يتّسع لابتهاجها.
وأخيرًا سوف أصبح أمًّا وسيسمع حتى الجيران صراخ طفلي (أحمد). قررتْ أختها الكبرى (فيروز) أن تكون بجانبها في هذه الأيام تشاركها لحظاتها السعيدة وتخفف عنها ما ينتظرها من ألم الولادة، سعدت (زينب) بهذا الخبر السارّ، فقد كان يتملّكها الخوف مما سمعته عن ألم الولاده تارة وعن خطورة انتشار الفيروس في أجواء المشفى تارة أخرى.
كان (عادل) منهكًا من التعب وقد أمضى أسبوعين في العمل، وكان طيلة تلك الأيام يشعر بالصداع والخمول الذي بدأ يتسلل في جسده يضعف قواه، وبالرغم من الأعراض التي كان يشعر بها إلا أنه لم يعرها اهتمامًا، فقد كانت فرحته برؤية مولوده الذي سيأتي إلى الدنيا بعد أيام شاغله وهمه الوحيد.
وكانت زوجته تؤكد عليه ضرورة الفحص ليطمئن على حالته فقد يكون مصابًا بالفيروس، فكان يطمئنها بأنها أعراض عادية لا تمتّ ل(كورونا) بأيّ صِلة.
باتت ( زينب) تجهّز حقيبة الولادة وبداخلها شعور غريب وتتحدث عن مولودها الجديد وكيف ستستقبله. بدأت التحضيرات لهذا اليوم السعيد، وصل (عادل) إلى المنزل برجليه المثقلتين، وبابتسامة عريضة مفعمة بالشوق لزوجته وحركات الجنين التي لا تتوقف.
اجتمع أفراد الأسرة على مائدة العشاء، وبعد ذلك خلد الجميع إلى النوم.
مضت الأيام، وذات صباح شعرت (زينب) ببعض لسعات الحمّى وآلام في بطنها وأصبحت مكبلة بسلاسل الخمول والتعب، لم تُعرْ ذلك اهتمامًا، فموعد ولادتها قد اقترب فظنت بأن ذاك إجهاد وتعب الحمل.
سقطت (زينب) على الأرض لتثير خوف عائلتها، فتم نقلها إلى المشفى وسط قلق شديد على حالتها التي ساءت وعلى إثرها أدخلت العناية المركزة.
مضت الساعات و(زينب) تمرّ بحالة حرجة ووضعُها في منتهى الخطورة، فكان بكاء (فيروز) موجعًا على أختها.
في تلك الساعات المكلومة أخذ (عادل) يلملم ذكرياته المبعثرة خلف الفاصل الزجاجي وعلامات الندم تعتصر قلبه، فقد قاده التهاون واللّامبالاة إلى المخالطة وعناده في إجراء الفحوصات ورفضه التام لتلقّي اللقاح رغم نصيحة الأهل له، فقد كان بعض أصحابه يغرسون الشكّ في نفسه ويثيرون الكثير من الإشاعات حول مأمونية اللقاح، فكان التهاون والرفض سببًا في نقله العدوى لزوجته التي توفيت هي وجنينها، فتمنى الجميع أن يكون ذاك حلمًا ليفيقوا منه على فرحة عارمة في استقبال المولود الصغير، الذي لم يبصر نور الحياة.
ورحلت (زينب) الحنونة، فلروحها السلام.