رحل الوجه المبتسم
كتبت / ريحاب رسمي
أصعب الكلمات التي يكتبها الإنسان هي: كلمات الرثاء التي تترك في القلوب ألمًا كبيرًا، وأحيانًا لا يجد الإنسان كلمات يعبر بها عن حزنه لفقد عزيزٍ، لذا يكتفي بأن يعبر عن كل مشاعر الحزن والأسى بدموعٍ صامتةٍ تُترجم لكلماتٍ يسترجع من خلالها شريط الذكريات الذي يضم معاملةً طيبة من شخص ما، فمنذ أسابيع قليلة ودعت الأسرة الإعلامية بمحافظة ظفار الفاضل الدكتور: خالد بن عبد الله مقيبل مدير مكتب جريدة عمان السابق بمحافظة ظفار الذي غاب عن عالمنا وانتقل إلى جوار ربه، أثر عملية جراحية في القلب بتركيا، نزل الخبر على الجميع كالصاعقة، ولكن يعلم الجميع إنها إرادة الله عز وجل، فقد عرفته منذ أكثر من أربعة عشر عامًا منذ دخولي مجال الإعلام، ومنذ ذلك الوقت لم أرى غير الإبتسامة التي لا تفارق وجهه، والمعاملة الطيبة والدعم لي ولجميع من حوله، وكان رحمه الله موجّها للعمل لا متصيدا، فيوجه للعمل برحمةٍ وابتسامةٍ حنونة ، كان يحبُّ الجميع في أداء العمل دون كلل أو تعب.
رحل المدير الذي تعلمت منه الرحمة والمودة في التعامل، فكان تعامله مع الجميع بصدرٍ رحبٍ، ولم يكن رجل عاديًا، فكان إداريًا بامتياز يتعلم منه ويقتدي به من عمل معه، وكان له رؤية واضحة، يعرف ماذا يقول ومتى يقول وكيف يتعامل مع المشكلات، وكان متواضعًا لم يغلق باب مكتبه أمام أحدٍ، فماذا يسعني أن أكتب عن هذا الرجل ومواقفه الكبيرة مع الجميع.
ومن موافقه النبيلة أنه كان يجمع الجميع حوله باهتمامه وكلامه الطيب، ويتعامل معي كأخ أكبر وبالأصح: كأب داعمًا لي، ولغيري في مجال الإعلام، ولن أنسى طيلة السنوات السابقة أني لم أرى غير المعاملة الطيبة والدعم حتى مع أخطاء العمل فكان التوجيه الذي يجعلني أسعى للتصحيح وتفادي تلك الأخطاء وعدم تكرارها.
ما زلت أتذكر بداية خطواتي في الإعلام عندما قمت بعمل أول لقاء حواري كان مع الكاتب الدكتور عبدالله باحجاج الذي علمت مدى حبه وقربه لزميله في دراسة الماجستير والدكتوراه: الدكتور خالد رحمه الله، وكان اللقاء الحواري الثاني مع الدكتور خالد وكان محور الحوار عن رسالة الدكتوراه الخاصة به والتي كان مضمونها غلاء المهور ،والزواج ومشكلاته بمحافظة ظفار، حيث تضمنت الرسالة ثلاث أبواب الأول: خصصه للجانب النظري وحمل عنوان ( الزواج ومنهجية الدراسة)، والثاني: حمل عنوان ( التغيرات في المجتمع العماني وتأثيراته على الأسرة والزواج )، والثالث: ضم الآراء المجتمعية حول الأسباب التي تؤدي للمشكلات وحلوله.
ما زلت أتذكر جيدًا ذلك اليوم الذي كنت أحاوره وكان يتملكني خوفًا ورهبة أنني أمامه وأحاوره، وعندما كنت أنظر إليه أجد ابتسامةً مليئةً بالطمأنينة لتمحو عني هذا الشعور، أتذكر ذلك اليوم جيدًا، وعند سؤالي له ما هي أسباب ودوافع اختيارك لرسالة الدكتوراه عن غلاء المهور ومشكلات الزواج؟ بدت إجابته بالصلاة على الرسول (صل الله عليه وسلم)،ثم قال: سبب اختياري للتطرق لهذا الموضوع؛أنني أتعايش في هذا المجتمع وقريب من تلك المشكلة وأيضًا مثل تلك المواضيع أول مرة يتم طرحها كرسالة دكتوراه؛ لأن الزواج يجب أن يؤسس أسرة قوية ومجتمع سليم، وأيضًا لأنه موضوعًا مهمًا وخطيرًا يسبب مشاكل كثيرة وخطيرة في محيط الأسرة التي هي نواة لبناء المجتمع، ونجد الآن إن مشكلة غلاء المهور بدأت تُحل بسبب زيادة الوعي.
وأيضا سألته لماذا لم تكتب بالجريدة والاكتفاء فقط بالجانب الإداري؟ أتذكر حينها الابتسامة التي ملأت وجهه، وبردٍ دبلوماسيٍ قال: قضيت عمري كله بالكتابة من الرصد إلى الأعداء إلى التحرير، ومن حقي أن أرتاح من الكتابة وأقرأ، ومع ذلك لم أنقطع عن الكتابة. من خلال حواري معه كانت هناك العديد من الأسئلة التي أجاب عليها برحابة صدر، ولم تفارق الابتسامة وجهه البشوش أبداً، يومها سعدت كثيرًا وشعرت بالفخر لأنني مع قامةٍ إعلاميةٍ كبيرةٍ وأتحاور معه وأنا وقتها كنت أحبو أولى خطوات الكتابة.
عندما قررت أن أكتب هذا المقال تواصلت مع أكثر المقربين منه رحمه الله؛ لنقرأ ماذا قالوا عنه:
الفاضل الشيخ سالم بن عوض النجار المدير العام للمديرية العامة للإعلام بظفار سابقا قال: “رحم الله الأخ العزيز والصديق الوفي أبا عبدالله الدكتور خالد بن عبدالله مقيبل الذي رحل عنا وهو يودعنا بابتسامته التي ألفناها في حياته كان فراقه مؤلمًا جدًا وحزنًا اعتصر قلوبنا وأسآل دموعنا، ولكن إيماننا بقضاء الله وقدره ومعرفتنا لشخصه واستقامته وتمسكه بفضائل الدين والأخلاق، هو ما خفف عنا حرقة الفراق وهذه المصيبة التي ألمت بكل محبيه ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: (إنا لله وإنا إليه راجعون )، لقد فقدنا زميلاً في مهنة المتاعب لعشرات السنين كان متميزًا في تعامله مع الجميع مُعينا لزملائه لا يألو جهدًا في تقديم العون والمساندة وكان رحمه الله بشوشًا مرحًا أحبه الجميع لا تفارق الابتسامة محيّاه ،ولا نبالغ إذا قلنا أن كلماتنا وعباراتنا لا تفي هذا الزميل الفقيد حقه لما تمتع به من صفات وخصال حميدة كسب بها حب الناس حيث كان حريصًا، وبتلقائية تامة على كسب القلوب قبل كسب المواقف رحل عن دنيانا الدكتور خالد مقيبل وعزاؤنا أنه بين يدي أرحم الراحمين ونسأل الله تعالى أن يبدله دارًا خيرًا من داره وأهلا خيرًا من أهله وأن يلهمنا وأهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
الدكتور سالم بن عقيل مقيبل:
“فقدنا يوم 25 مايو 2021م الأخ والصديق وابن العم الدكتور خالد بن عبدالله بن أحمد مقيبل، الشخصية التي تحب الناس، لا يترك واجبًا قريبًا ولا بعيدا إلا ويشارك المجتمع في اتراحه وأفراحه. مرجعي في الملمات، محب للجميع، تولى رعاية إخوانه بعد وفاة والده فكان الأخ والأب، تولى مكتب جريدة عُمان بصلالة لسنوات وترك بصمه طيبة بين زملائه حتى تقاعد من الإعلام قبل أشهر. رحمة الله عليك يا أخي يا أبا عبدالله، كنت محبا للحياة ملازما للمساجد منذ نعومة أظفارك، تربيت على الخير والصلاح ونشأت عليها، قويا في الحق لا تجامل، عطوفا على الفقير ومحسنا، بارا بوالديك وبأهلك، وأخا صادقا وصدوقا ومعينا. ولد الأخ خالد بن عبدالله مقيبل بمدينة صلالة يوم الاثنين 6 جمادي الأول 1381هـ الموافق 16 أكتوبر 1961م، وأختاره الله يوم الثلاثاء 13 شوال 1442هـ الموافق 25 مايو 2021م عن عمر 59 عاما و145 يوماً. رحمة الله عليه يا أخي يا أبا عبدالله، رحلت عنا سريعا ونحن بالأثر، رحلت ولا زال في نفسك أهداف تريد أن تحققها، ولكن اختيار ومشيئة الله هي الأقوى والأسرع، فالحياة مع الله أبقى ونحن على يقين أن حياتك الآن مع الله هي الأفضل والأحسن وما قدمته لنفسك ولأهلك ستجده عنده جل وعلا، فأسأل الله أن يقبلك شهيداً عنده. فمُتَّ مبطونا غريبا في أرض بعيدة، بعد أن أكملت صيامك كاملا، فنسأل الله يرفع مكانتك في عليين، مع جدك المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون”.
أما صديق دربه في العمل والدراسة الكاتب الدكتور عبد الله عبد الرزاق باحجاج: أعلم مدى تأثره للأن بوفاة أعز أصدقاءه وأعلم جيدًا مدى صعوبة ذلك التي أراها في كتاباته عن المغفور له الدكتور خالد ولصعوبة الموقف بالنسبة له قد اقتبست كلمة من المواضيع العديدة التي كتبها عن الراحل منذ وفاته إلى الأن حيث كتب: “لن ننساك أبدا ، فكيف لمثلي أن ينساك؟” ستظل خالدًا في دعائي ما دامت الروح في الجسد، لم تغيب عني إلا رؤية مادية فقط، كالمسافر الذي يفارق أهله وأحبائه، أما أنت بكل كلياتك الحسية والمعنوية، ولا نبالغ إذا ما قلت والروحية كذلك، ستظل في كل حواسنا، وتستدعي في حالات اللاشعور بالوجود المادي، كتلك التي مررت فيها قرب مزرعتكم أمس، ودون شعور، حاولت الاتصال بك، وسرعان ما أدركت الحقيقة.
لن تسقط من ذاكرتنا بالتقادم الزمني، ولا بتحولات الزمن وتقلباته.
اللهم أن فقيدنا الآن تحت رحمتك، وقد كان بيننا رحيمًا ومحبًا وساعيًا للخير، وبارًا بأهله وإخوانه وأصدقائه، فأكرمه برحمة ترفع شأنه في عليين، اللهم آمين.