المــدرسة حــيـاة .. هيكل المدرسة… الواقع و الطّموح
د. محمد بن أحمد بن خالد البرواني
محمد للاستشارات الإداريّة والتّربويّة
alnigim@gmail.com
يُعَدّ الهيكل المنظّمي أداة اتّصال للمؤسّسة سواء كان ذلك في داخل المؤسّسة أم خارجها، فهو يحسّن الاتّصال بين الرّؤساء والمرؤوسين، ويعمل على أن يكون الإرسال وأداته واضحيْن لا لبس فيهما؛ ليستقبل المرسل الاتّصال بدقّة ووضوح يؤدّيان إلى فهم الرّسالة وقراءتها وتنفيذها بطريقة صحيحة وبجهد واتقان عالٍ، وهو الّذي يحدّد التّركيب الدّاخلي للعلاقات السّائدة في المؤسّسة، ويوضّح التّقسيمات أو الوحدات الرّئيسة والفرعيّة الّتي تضطلع بمختلف الأعمال والأنشطة الّتي يتطلّبها تحقيق أهداف المؤسّسة، إضافة إلى بيان أشكال الاتّصالات وأنواعها، وشبكات العلاقات القائمة. الهيكل المنظّمي هو بناء هرميّ للعلاقات ولتدفق الاتّصالات. هو لا يمثّل غاية البناء الأساسي للمؤسّسة، بل يُعدّ أحد الوسائل الإداريّة الّتي تُستخدم لتحقيق أهداف المؤسّسة، وفق رؤية شاملة ومتكاملة للتفاعلات السّائدة فيها.
إنّ البرامج الّتي تقوم بها المدرسة ويعمل على إدارتها مدير المدرسة، تحتاج إلى إتاحة الصّلاحيّات الممنوحة للمدرسة، وترك المدرسة تدير مقودها بنفسها. هو ما سعت إليه العديد من الدّول المتقدّمة. في سنغافورة لم تغفل رؤية التّحكم المركزي التّام، إعطاء المدارس الصّلاحيات لإدارة شؤون المدرسة والنّظام التّعليمي، فيها ذاتيّا.
يتطلب العمل المدرسي رفع المستوى الّذي تقف عليه المؤسّسة؛ لتصل إلى المستوى المأمول، وبقاء المدرسة دون صلاحيّات أو بصلاحيّات محدودة، يجعلها عاجزة عن تطوير مواردها البشريّة، فتبقى المدخلات دون تحسين، وتسود الاتّكاليّة الّتي تُبقي عمليّات الأداء في نسق واحد يتسبّب في ضعف المخرجات ويزيدها سوءاً.
يرى (أرجريس) أنّ توفّر قدر من الاستقلال و التّلقائية والقدرة على الاستجابة الحرّة لدى مكوّنات التّنظيم والجماعات والأقسام والإدارات، يتيح للفرد الوصول إلى مرحلة النّضج والتّخصص في العمل الّذي يدفع الفرد إلى استخدام جزء من طاقاته .
إنّ الاعتماد على الرّئيس والشّعور السّلبي تجاهه، يؤدّي إلى تفردّه بوضع الأهداف، وتضييقه على العاملين، فالمدرسة تحتاج إلى مزيد من الإصلاحات، والبعد عن المركزيّة لتواكب التّطور البيئي والحياتي المتسارع، فهي بحاجة إلى الحريّة في تحسين البرنامج الزّمني اليومي، الّذي يسعى إلى رفع مستويات طلاّبها، و يلحق بركب التّعليم الإلكتروني الّذي يمخر عباب عالمنا اليوم، و تحتاج أيضا، إلى موارد في التّدريب؛ لتركّز على تدريبٍ هادف يحقّق طرائق التّفكير وحلّ المشكلة حلاًّ أساسيًّا، وتحسين مهارات معلّميها، و تحتاج بالإضافة إلى ذلك، أن يكون لها القرار في صيانة مبناها وتهيئته، وفق احتياجات طلّابها. وهي بحاجة إلى التّخلص من الاعتماد على الآخرين في تلقّي الأوامر وتنفيذها. دون اتّباع نهج معيّن، وتحتاج إلى إطار متقارب يعمل على التّحسين والتّطوير، وتحقيق الأهداف والغايات، لكي تصل إلى مرحلة النّضج وبذلك تقلّ دوافع الأفراد نحو العمل فتسود الاتّكاليّة ويزداد العمل الرّتيب.
منْح المدارس مزيدًا من الاستقلاليّة وإعطاؤها القدرة على اتّخاذ قراراتها وتحسينها، أصبح ضرورة ملحّة بل واقعا في الدّول المتقدّمة في مجال التّعليم. لا ننسى المدارس العمانيّة والكتّاب الّتي أخرجت العديد من العلماء والمفكّرين والكتّاب والأدباء الّذين أثْروا المكتبة العمانيّة بالعديد من المجلّدات والكتب القيّمة. لقد كان التّعليم يُتَلقّى في جوامع وكتاتيب تتّخذ قرارات بنفسها، وتعمل على إدارة ذاتها في منهجيّة واضحة و راسخة تُبنى ذاتيًّا لتصل إلى النّضج والاعتماد على النّفس وتحرير العقل، وتقدير طاقات الإنسان ومواهبه فتبرز مهاراته، وتتوسّع مداركه، وتظهر طاقاته، فيعمّ الله بنفعها العباد والبلاد.